فصلاً. قال الطحاوي: فبيّن هذا الحديث أن الذي كرهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن بحينة هو وصله إياها بالفريضة في مكان واحد لم يفصل بينهما بشيء، وليس لأنه كره له أن يصليهما في المسجد إذا كان فرغ منها تقدم إلى لصفوف فصلى الفريضة مع الناس - انتهى. قلت: تأويل الطحاوي هذا ضعيف جداً بل باطل والاستدلال له بحديث محمد بن عبد الرحمن أبطل، فإنه لو كان المراد بالفصل فيه الفصل بالمكان أي بالتقدم أو التأخر للزم أن يكون ذلك الفصل مطلوباً في الظهر، ويجوز أداء سنة الظهر متصلاً بالفرض مخالطاً للصف من غير فصل بالتقدم، ولا يقول به أحد على أنه لا دليل على ما ذكر في حد الفصل بالمكان بأن يصلي في مؤخر المسجد ثم يمشي إلى أول المسجد ومقدمه ويخالط الصف فيدخل في الفريضة، فإن الفصل بين النفل والفرض بالمكان قد يحصل بالتقدم بخطوة بل بالكلام أيضاً، فلو صلى أحد ركعتي الفجر قريباً من الصف أو مخالطاً له ودخل في الفريضة بعد أن مشى خطوة فقد صدق عليه أنه جعل الفصل بين النفل والفرض بالمكان، فيلزم أن يكون هذا جائزاً عند من يقول بالفصل بالمكان. والحاصل أن جعل الصلاة في مؤخر المسجد ثم مشيه إلى مقدم المسجد والصف حدا للفصل بالمكان لا أثارة عليه من علم، وكذا لا دليل على كون علة النهي اختلاط الصلاتين ومخالطة الصفوف بل علة النهي هو أداء السنة حال إقامة الصلاة كما تقدم، وإذا عرفت هذا فاعلم أن المراد بالفصل في حديث محمد بن عبد الرحمن هو الفصل بالزمان لا غير، والمعنى: اجعلوا بين سنة الفجر وفرضه فصلاً أي بالزمان بأن تصلوها قبل الإقامة لا عندها ليحصل الفصل بين السنة والفرض، وهذا الفصل مطلوب في جميع المكتوبات، وإنما خص الفجر بالذكر؛ لأن هذه القصة وقعت عند الفجر، فإن ابن بحينة صلى ركعتي الفجر، حال إقامة الصلاة فأمره بالفصل ليجتنب فيما بعد عن التنفل حال الإقامة وبعدها، وهذا مشترك بين الفجر وغيره من المكتوبات، وليؤدي بعض المستحبات التابعة لسنة الفجر، كالاضطجاع على الشق الأيمن، فكأنه أمره بالفصل ليمكن له الاضطجاع بعد سنة الفجر قبل الإقامة، فإن حال الإقامة لا يمكنه الإتيان بهذا المستحب؛ لأن بعد إتمام السنة يدخل في الفريضة ولا يشتغل بأداء المستحب، وهذا مختص بصلاة الفجر. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة قبل الظهر وبعدها أي فإن سنة الظهر قد تؤدي في المسجد بخلاف سنة الفجر، أو فإنها لا يشرع الاضطجاع بعدها بخلاف ركعتي الفجر، ولا يحصل هذا إلا إذا فصل بين ركعتي الفجر وفرضه بالزمان، وبذلك تنتفي المشابهة بين سنة الظهر وسنة الفجر، أو فإنه يجوز أداء سنة الظهر بحيث يفرغ منها متصلاً بالإقامة لفرضه من غير فصل أي بدون تقدم بالزمان والدليل على أن المراد بالفصل الفصل بالزمان ما ورد في بعض الأحاديث من علة النهي منصوصاً، وهي أداء السنة وقت إقامة الصلاة أو بعدها كما تقدم من حديث أبي موسى الأشعري وابن عباس وأنس بن مالك. ويدل على ذلك أيضاً ما روى مسلم وأبوداود والنسائي