الرجل صلاها في المسجد بلا حائل فشوش على المصلين، ويرده ما في مسلم عن ابن سرجس دخل رجل المسجد وهو - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الغداة فصلى ركعتين في جانب المسجد- الحديث. فإنه يدل على أن أداء الرجل كان في جانب لا مخالطاً للصف بلا حائل- انتهى ملخصاً. وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في التعليق الممجد (ص٨٦) : وحمل الطحاوي هذه الأخبار. (أي أحاديث ابن سرجس وابن بحينة وغيرهما) على أنهم صلوا في الصفوف لا فصل بينهم وبين المصلين بالجماعة، فلذلك زجرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكنه حمل من غير دليل معتد به، بل سياق بعض الروايات يخالفه، وقال فيه أيضاً ذكر الطحاوي أن معنى قوله: فلا صلاة إلا المكتوبة النهي عن أداء التطوع في موضع الفرض، فإنه يلزم حينئذٍ الوصل، وبسط الكلام فيه، لكن لا يخفى على الماهر أن الظاهر الأخبار المرفوعة هو المنع- انتهى. فإن قلت قال ابن الملك والعيني وغيرهما من الحنفية: إن قوله عليه السلام: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ليس على عمومه، بل خصت منه سنة الفجر لقوله عليه السلام: لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل، أخرجه أبوداود، فيكره أداء السنن عند الإقامة إلا سنة الفجر فيجوز أداؤها، ويجمع بين الفضيلتين، يعني فضيلة ركعتي الفجر وفضيلة الجماعة. قلت: لا يجوز تخصيصها من عموم قوله: إذا أقيمت الصلاة الخ؛ لأنه ورد النهي الصريح في أداء سنة الفجر عند الإقامة من غير احتمال ولا تأويل كحديث عبد الله بن سرجس وأبي موسى الأشعري وابن عباس وأنس بن مالك، وقد ذكرنا ألفاظهم، وكحديث عبد الله مالك بن بحينة قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاث به الناس فقال: أالصبح أربعا؟ أالصبح أربعا؟ أخرجه البخاري ونسلم وابن ماجه والدارمي والطحاوي. ولفظ مسلم في رواية: أتصلي الصبح أربعا؟ قال النووي: هو استفهام إنكار ومعناه أنه لا يشرع بعد الإقامة للصبح إلا الفريضة، فإذا صلى ركعتين نافلة بعد الإقامة ثم صلى معهم الفريضة صار في معنى من صلى الصبح أربعاً؛ لأنه صلى بعد الإقامة أربعاً. وقال العيني: والمراد أن الصلاة الواجبة إذا أقيم لها لم يصل في زمانها غيرها من الصلاة فإنه إذا صلى ركعتين مثلاً بعد الإقامة نافلة لها ثم صلى معهم الفريضة صار في معنى من صلى الصبح أربعاً؛ لأنه صلى بعد الإقامة أربعاً- انتهى. فأحاديث هؤلاء الصحابة كما ترى صريحة في أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ركعتي الفجر عند الإقامة، فلا يصح تخصيصهما من عموم حديث أبي هريرة، ومن يخصصهما بعد هذا النهي الصريح فهو معاند للسنة ومتعصب مفرط، وأما الجمع بين الفضيلتين يعني فضيلة ركعتي الفجر وفضيلة الجماعة فهو ممكن بأن يدخل في الجماعة وبعد الفراغ من الفجر يؤدي الركعتين، فإن تلك الساعة وقت لها في حقه. وأما ما يذكر عن ابن مسعود أنه صلى ركعتي الفجر إلى أسطوانة من المسجد ثم دخل في الصلاة، وعن أبي الدرداء أنه كان يصلي الركعتين في ناحية المسجد ثم يدخل