٦٦- (٤) وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً
ــ
ضمير الفاعل لأحدكم، وضمير المفعول راجع إلى مصدر يقول، أي إذا بلغ أحدكم هذا القول، يعني من خلق ربك، أو التقدير: بلغ الشيطان هذا القول. (فليستعذ بالله) طرداً للشيطان الذي أوقعه في هذا الخاطر الذي لا أقبح منه، فيقول بلسانه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى:{وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}[٧: ١٩٩] . (ولينته) بسكون اللام وتكسر، أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها، ويبادر إلى قطعها بالإعراض عنها، فإنه تندفع الوسوسة عنه بذلك؛ لأن الأمر الطارئ بغير أصل يدفع بغير نظر في دليل، إذ لا أصل له ينظر فيه، قال الخطابي: لو أذن - صلى الله عليه وسلم - في محاجته لكان الجواب سهلاً على كل موحد، ولكان الجواب مأخوذاً من فحوى كلامه، فإن أول كلامه يناقض آخره؛ لأن جميع المخلوقات من ملك وإنس وجن وحيوان وجماد داخل تحت اسم الخلق، ولو فتح هذا الباب الذي ذكره للزم منه أن يقال: ومن خلق ذلك الشيء؟ ويمتد القول في ذلك إلى ما لا يتناهى، والقول بما لا يتناهى فاسد، فسقط السؤال من أصله، وقال الطيبي: لينته، أي ليترك التفكر في هذا الخاطر، وليستعذ بالله من وسوسة الشيطان، فإن لم يزل التفكر بالاستعاذة فليقم وليشتغل بأمر آخر، وإنما أمره بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر، ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج؛ لأن العلم باستغناء الله عزوجل عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة له وعليه، ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلى حيرة، ومن هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به. (متفق عليه) أخرجه البخاري في بدء الخلق، ومسلم في الإيمان، وأخرجه أيضاً أبوداود في السنة، والنسائي في اليوم والليلة، وفي روايتهما من الزيادة ((فقولوا الله أحد، الله الصمد ... )) إلى آخر السورة، ثم يتفل عن يساره، كما سيأتي في الفصل الثاني.
٦٦- قوله:(لا يزال الناس يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضاً، والتساؤل جريان السؤال بين الاثنين فصاعداً، ويجوز أن يكون بين العبد والشيطان أو النفس أو إنسان آخر، أي يجري بينهما السؤال في كل نوع. (حتى) يبلغ السؤال إلى أن (يقال: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله) قيل: لفظ هذا مع عطف بيانه المحذوف، وهو المقول مفعول، يقال: أقيم مقام الفاعل، وخلق الله تفسير لهذا أو بيان أو بدل، وقيل: مبتدأ حذف خبره، أي هذا القول أو قولك هذا خلق الله الخلق معلوم مشهور، فمن خلق الله؟ والجملة أقيمت مقام فاعل يقال (فمن وجد من ذلك شيئاً) إشارة إلى القول المذكور و"من ذلك" حال من "شيئاً" أي من صادف شيئاً من ذلك القول والسؤال أو وجد في خاطره شيئاً من جنس ذلك المقال