٦٩- (٧) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان
ــ
بدء الخلق (متفق عليه) لم أجد حديث أنس هذا في صحيح البخاري، والظاهر أنه من إفراد مسلم، أخرجه في الاستيذان، يدل على ذلك قول الحافظ في شرح حديث صفية في باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد من كتاب الصوم، نعم رواه مسلم من وجه آخر من حديث أنس الخ، ويدل عيه أيضاً أن الشيخ عبد الغني النابلسي عزاه في ذخائر المواريث (ج١:ص٦١) لمسلم فقط، ويدل عليه أيضاً أن المنذري سكت في مختصره عن عزو حديث أنس هذا إلى البخاري، وقال: أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة من حديث صفية بنت حي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدم في كتاب الصيام - انتهى. وحديث أنس هذا أخرجه أيضاً أحمد وأبوداود في السنة.
٦٩- قوله:(ما من بني آدم) أي ما من أولاده، والمراد هذا الجنس (مولود إلا يمسه الشيطان) رفع مولود على أنه فاعل الظرف لاعتماده على حرف النفي، والمستثنى منه أعم عام الوصف فالاستثناء مفرغ، يعني ما وجد من بني آدم مولود متصف بشيء من الأوصاف حال ولادته إلا بهذا الوصف أي مس الشيطان له، والمراد بالمس الحقيقي أي الحسي لقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية للبخاري:((كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بإصبعيه حين يولد غير عيسى بن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب)) . قال القرطبي: هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط، فحفظ الله مريم وابنها ببركة دعوة أمها. (فيستهل) أي يصيح (صارخاً) رافعاً صوته بالبكاء، وهو حال مؤكدة، أو مؤسسة أي مبالغة في رفعه، أو المراد بالاستهلال مجرد رفع الصوت وبالصراخ البكاء (من مس الشيطان) أي لأجله، يعني سبب صراخ الصبي أول ما يولد الألم من مس الشيطان إياه. قال الطيبي: وفي التصريح بالصراخ إشارة إلى أن المس عبارة عن الإصابة بما يؤذيه لا كما قالت المعتزلة من أن مس الشيطان تخييل، واستهلاله صارخاً من مسه تصوير لطمعه فيه، كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول: هذا ممن أغويه - انتهى. قال الحافظ: قد طعن صاحب الكشاف أي الزمخشري في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته، فقال: إن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين، وكذلك كل من كان في صفتهما لقوله تعالى:{إلا عبادك منهم المخلصين}[١٥:٤٠] قال واستهلال الصبي صارخاً من مس الشيطان تخييل لطمعه فيه، كأنه يمسه ويضرب بيده عليه، ويقول هذا ممن أغويه. وأما صفة النخس كما يتوهمه أهل الحشو فلا، ولو ملك إبليس على الناس نخسهم لامتلأت الدنيا صراخاً - انتهى. وكلامه متعقب من وجوه، والذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه، ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء، بل ظاهر الخير أن إبليس ممكن من مس كل مولود عند ولادته، لكن من كان من عباد الله المخلصين لم يضره ذلك المس أصلاً، واستثنى من المخلصين مريم