٦٨- (٦) وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم،
ــ
المختار الرفع. ورجح القاضي عياض الفتح. قال النووي: هو المختار لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (فلا يأمرني إلا بخير) وقال التوربشتي: إذا صحت رواية الفتح فلا عبرة بهذا التعليل، أي الذي ذكره أصحاب القول الأول فإن الله هو القادر على كل شيء، ولا يستبعد من فضله أن يخص نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأمثال هذه الكرامة وبما هو فوقها - انتهى. واختلفوا على رواية الفتح فقيل: أسلم بمعنى استسلم وذل وانقاد، وقد جاء هكذا في غير صحيح مسلم فاستسلم، وقيل: معناه صار مسلما مؤمنا. قال النووي: وهذا هو الظاهر. قال القاضي: إن الأمة مجتمعة على عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه. وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغواءه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان (رواه مسلم) في صفة القيامة قبل صفة الجنة، وأخرجه أيضاً أحمد، وفي الباب عن عائشة عند مسلم والنسائي.
٦٨-قوله:(إن الشيطان يجري) أي يسري (من الإنسان) أي فيه (مجرى الدم) أي في عروقه. وقال الطيبي: عدى " يجري" بمن على تضمين معنى التمكن، أي يتمكن من الإنسان في جريانه في عروقه مجرى الدم، فالمجرى يجوز أن يكون مصدراً ميمياً وأن يكون اسم مكان، وعلى الأول تشبيه شبه سريان كيد الشيطان وجريان وساوسه في الإنسان يجريان دمه في عروقه وجميع أعضائه، والمعنى أن الشيطان يتمكن من إغواء الإنسان وإضلاله تمكناً تاماً، ويتصرف فيه تصرفاً لا مزيد عليه، وعلى الثاني يجوز أن يكون حقيقة فإن الله تعالى قادر على أن يخلق أجساماً لطيفة تسري في بدن الإنسان سريان الدم، فإن الشيطان مخلوقه من نار السموم، والإنسان من صلصال من حمأ مسنون، والصلصال فيه نارية وبه يتمكن من الجريان في أعضائه، ويجوز أن يكون مجازا، أي إن كيد الشيطان ووساوسه تجري في الإنسان حيث يجري فيه الدم، فالشيطان إنما يستحوذ على النفوس، وينفث وساوسه في القلوب بواسطة النفس الأمارة بالسوء، ومركبها الدم ومنشأ قواها منه، فعلاجه سد المجاري بالجوع والصوم؛ لأنه يقمع الهوى والشهوات التي هي من أسلحة الشيطان، فالشبع مجلبة للآثام منقصة للإيمان - انتهى. وفي الحديث الاستعداد للتحفظ من مكائد الشيطان فإنه يجري من الإنسان مجرى الدم، ولا يفارقه كما لا يفارقه دمه، فيتأهب الإنسان للاحتراز من وساوسه وشره. وسبب الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتته صفية وهو معتكف في المسجد، فلما رجعت انطلق معها، فمر به رجلان من الأنصار، فدعاهما فقال: إنما هي صفية، قالا سبحان الله، فذكره وأشار بذلك إلى أنه ينبغي التباعد من محل التهم، فما يفعله بعض من ادعى التصوف من مخالطة النساء والحدثان، ويقولون لا بأس علينا ولا يظن بنا أحد سوء من الجهل إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى بذلك، وارجع لمزيد التفصيل إلى شرح البخاري للقسطلاني في شرح حديث صفية بنت حي في صفة إبليس من