قأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سناً،
ــ
(سواء فأقدمهم هجرة) أي انتقالاً من مكة إلى المدينة قبل الفتح، فمن هاجر أولاً فشرفه أكثر ممن هاجر بعده، قال تعالى:{لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح} الآية [٥٧: ١٠] ، قاله القاري. وقيل: هذا شامل لمن تقدم هجرة سواء ما كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - أو بعده كمن يهاجر من دار الكفار ... إلى دار الإسلام. وأما حديث لا هجرة بعد الفتح فالمراد من مكة إلى المدينة؛ لأنهما جميعاً صارا دار اسلام. قال الشوكاني: الهجرة المقدم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره - صلى الله عليه وسلم - بل هي لا تنقطع إلى يوم القيامة، كما وردت بذلك الأحاديث، وقال به الجمهور. وأما حديث: لا هجرة بعد الفتح فالمراد بعد الهجرة من مكة إلى المدينة أو لا هجرة بعد الفتح. فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح. وهذا لا بد منه للجمع بين الأحاديث. (فإن كانوا) أي بعد استوائهم فيما سبق من القراءة والسنة. (في الهجرة سواء فأقدمهم سناً) وفي رواية أكبرهم سناً، أي يقدم في الإمامة من كبر سنه في الإسلام؛ لأن ذلك فضيلة يرجح بها. قلت: ويؤيده ما في رواية لمسلم: فأقدمهم سلماً، أي إسلاماً، يعني أن من تقدم اسلامه يقدم على من تأخر إسلامه. والحديث دليل لمن قال يقدم الأقرأ في الإمامة على الأعلم. وإليه ذهب أحمد وأبويوسف وإسحاق. وقال مالك والشافعي وأبوحنبفة: الأعلم مقدم على الأقرأ، قال العيني: اختلف العلماء فيمن هو أولى بالإمامة: فقالت طائفة: الأفقه، وبه قال أبوحنيفة ومالك والجمهور، وقال أبويوسف وأحمد واسحاق: الأقرأ، وهو قول ابن سيرين وبعض الشافعية، قال العيني: وقال أصحابنا: أولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة أي بالفقه والأحكام الشرعية إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز به الصلاة، وهو قول الجمهور، وإليه ذهب عطاء والأوزاعي ومالك والشافعي. وقال السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي في شرح الأحياء: قال أصحابنا يقدم الأعلم ثم الأقرأ، وهوقول أبي حنيفة ومحمد، واختاره صاحب الهداية وغيره من أصحاب المتون وعليه أكثر المشائخ. وقال أبويوسف: يقدم الأقرأ ثم الأعلم واختاره جمع من المشائخ، ومن الشافعية ابن المنذر، كما نقله النووى في المجموع- انتهى. واستدل الشافعي ومن وافقه بأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد تعرض في الصلاة أمور لا يقدر على مراعاتها إلا كامل الفقه، فيقدم الأفقه على الأقرأ. قال البغوي: لأن الفقيه يعلم ما يجب من القراءة في الصلاة؛ لأنه محصور، وما يقع فيها من الحوادث غير محصور، وقد يعرض للمصلي ما يفسد صلاته، وهو لا يعلم إذا لم يكن فقيهاً. وقال صاحب الهداية: القراءة يفتقر إليها لركن واحد، والعلم لسائر الأركان، أي فلأعلم أولى بالإمامة من الأقرأ. قلت: هذا كله تعليل في مقابلة النص، فلا يلتفت إليه، بل يرد على قائله كائناً من كان. واستدل لهم أيضاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس، وسيأتي في باب المأموم من المتابعة