قال السندي: الحديث يفيد تقدم الأقرأ وغالب الفقهاء على تقديم الأعلم، ولهم عن هذا الحديث جوابان: النسخ بإمامة أبي بكر مع أن أقرأهم أبىّ، وكان أبوبكر أعلمهم، كما قال أبوسعيد، ودعوى أن الحكم مخصوص بالصحابة، وكان أقرأهم أعلمهم لكونهم يأخذون القآن بالمعاني، وبين الجوابين تناقض لا يخفى، ولفظ الحديث يفيد عموم الحكم- انتهى. وقد ظهر بهذا التفصيل أن القول الراجح المعول عليه هو تقديم الأقرأ على الأعلم وهذا، إنما هو حيث يكون الأقرأ عارفاً بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلاً بذلك فلا يقدم اتفاقا. قال الزبيدي: والذي ذهب إليه أبويوسف من تقديم الأقرأ على الأعلم رواية عن أبي حنيفة، ودليله قوي من حيث النص، فإنه فرق بين الفقيه والقاري، وأعطى الإمامة للقاري ما لم يتساويا في القراءة فإن تساويا لم يكن أحدهما بأولى من الآخر فوجب تقديم الأعلم بالسنة وهو الأفقه- انتهى. (ولا يؤمن الرجل الرجل) برفع الأول ونصب الثاني. (في سلطانه) أي في محل سلطانه، وهو موضع يملكه الرجل أو له فيه تسلط بالتصرف كصاحب المجلس وإمام المسجد، فإنه أحق من غيره، وإن كان أفقه، لئلا يؤدي ذلك إلى التباغض والخلاف الذي شرع الاجتماع لرفعه. قال الطيبي: أي لا يؤم الرجل الرجل في مظهره سلطنته ومحل ولايته أو فيما يملكه أو في محل يكون في حكمه. ويعضد هذا التأويل الرواية الأخرى في أهله. وتحريره أن الجماعة شرعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتألفهم وتوادهم، فإذا أم الرجل الرجل في سلطانه أفضى ذلك إلى توهين أمر السلطنة وخلع ربقة الطاعة، وكذلك إذا أمّه في أهله أدى ذلك إلى التباغض والتقاطع وظهور الخلاف الذي شرع لرفعه الاجتماع، فلا يتقدم الرجل على ذي السلطنة لاسيما في الأعياد والجمعات، وعلى إمام الحي ورب البيت إلا بالإذن- انتهى. وقال النووي: معناه أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره. قال ابن رسلان: لأنه موضع سلطنته- انتهى. قال الشوكاني: والظاهر أن المراد به السلطان الذي إليه ولاية أمور الناس، لا صاحب البيت ونحوه. ويدل على ذلك ما في رواية أبي داود بلفظ: ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه. وظاهره أن السلطان مقدم على غيره وإن كان أكثر منه قرآناً وفقهاً وورعاً وفضلاً، فيكون كالمخصص لما قبله، يعني أن أول الحديث محمول على من عدا الإمام الأعظم ومن يجري مجراه، وقد ورد في صاحب البيت حديث بخصوصه بأنه الأحق، فقد أخرج الطبراني من حديث أبي مسعود قال من السنة أن يتقدم صاحب البيت. قال الحافظ: رجاله ثقات. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والكبير من حديث عبد الله بن حنطلة مرفوعا: الرجل أحق أن يؤم في بيته. قال الهيثمي: فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة، ضعفه أحمد وابن معين والبخاري، ووثقه يعقوب بن شيبة وابن حبان. قال أصحاب الشافعي: ويتقدم السلطان أو نائبه على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما؛ لأن ولايته وسلطنته عامة، قالوا: ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل