والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم، براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر.
ــ
رواه البيهقي. (والصلاة) أي بالجماعة. (واجبة عليكم) قال القاري: أي بالجماعة، كما تقدم من القول المختار، وهو فرض عملي لا اعتقادي لثبوته بالسنة، وهي آحاد. وقال ابن حجر: أي على الكفاية لا الأعيان - انتهى. وهي غاية من البعد عن شعار الإسلام، وطريق السلف العظام؛ لأنه يؤدي إلى أنه لو صلى شخص واحد مع الإمام في مصر لسقط عن الباقين. وقال الطيبي: القرينة الأولى تدل على وجوب الجهاد على المسلمين، وعلى جواز كون الفاسق أميراً، والثانية على وجوب الصلاة بالجماعة عليهم. وجواز أن يكون الفاجر إماماً، هذا ظاهر الحديث. ومن قال الجماعة ليست بواجبة على الأعيان تأوله بأنه فرض على الكفاية كالجهاد، وعليه دليل إثبات ما ادعاه. (خلف كل مسلم) إذا كان إماماً. (براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر) قال ابن الملك: أي جاز اقتداءكم خلفه لورود الجواب بمعنى الجواز لاشتراكهما في جانب الإتيان بهما. وهذا يدل على جواز الصلاة خلف الفاسق، وكذا المبتدع إذا لم يكن ما يقوله كفراً. قال القاري في أمره بالصلاة خلف الفاجر مع أن الصلاة خلف الفاسق والمبتدع مكروهة عندنا دليل على وجوب الجماعة - انتهى. قلت: اختلف في امامة الفاسق والمبتدع: فذهب مالك إلى اشتراط عدالة من يصلى خلفه، وقال لا تصح إمامة الفاسق. وذهبت الشافعية والحنفية إلى صحة إمامته. قال العيني: أما الصلاة خلف الخوارج وأهل البدع فاختلف العلماء فيه: فأجازت طائفة منهم ابن عمر إذ صلى خلف الحجاج، وكذلك ابن أبي ليلى وسعيد بن جبير. وقال النخعي كانوا يصلون وراء الأمراء ما كانوا. وروى أشهب عن مالك: لا أحب الصلاة خلف الإباضية والواصلية، ولا السكنى معهم في البلد. وقال ابن القاسم: أرى الإعادة في الوقت على من صلى خلف أهل البدع. وقال أصبغ يعيد أبدا. وقال الثوري في القدري لا تقدموه. وقال أحمد بن حنبل: لا يصلي خلف أحد من أهل الأهواء إذا كان داعياً إلى هواه، ومن صلى خلف الجهمية والرافضية والقدرية يعيد. وقال أصحابنا: تكره الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة، ولا تجوز خلف الرافضي والجهمي والقدري؛ لأنهم يعتقدون أن الله لا يعلم الشيء قبل حدوثه وهو كفر، والمشبهة، ومن يقول يخلق القرآن. وكان أبوحنيفة لا يرى الصلاة خلف المبتدع، ومثله عن أبي يوسف. وأما الفاسق بجوارحه كالزاني وشارب الخمر فزعم ابن الحبيب أن من صلى خلف من شرب الخمر يعيد أيداً إلا أن يكون واليا. وفي رواية: يصح. وفي المحيط: لو صلى خلف فاسق أو مبتدع يكون محرز الثواب صلاة الجماعة، ولا ينال ثواب من صلى خلف المتقي. وفي المبسوط: يكره الإقتداء بصاحب البدعة - انتهى. والحق عندي أنه لا يشترط عدالة إمام الصلاة لصحة الجماعة وصحة صلاة المقتدين، ولكن لا يجوز تقديم الفاسق، وكذا المبتدع ببدعة غير مكفرة للإمامة؛ لأن في تقديمه تعظيمه، وقد وجب إهانته شرعاً، ولأن الفاسق لا يهتم بأمر دينه، ولأن