فهو نبي صادق. فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم، قال: جئتكم والله من عند النبي حقاً، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا. فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً. فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني، لما كنت أتلقى من الركبان. فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي:
ــ
غلب على قومه. (فهو نبي صادق) إذ لا يتصور غلبته عليهم كذلك إلا بمحض المعجزة الخارقة للعادة القاضية بأنه لا يظهر عليهم لضعفه وقوتهم. (فلما كانت وقعة الفتح) في رمضان سنة ثمان من الهجرة. (بادر) أي سارع وسابق. (بدر أبي قومي) أي غلبهم وسبقهم. قال الطيبي: قوله "بدر" من باب المبالغة، أي بادر أبي القوم فبدرهم أي غلبهم في البدار بالكسر أي المبادرة. وقال العيني: قوله: بادر أي أسرع، وكذا قوله: بدر، يقال بدرت إلى شيء وبادرت، أي أسرعت. (فلما قدم) أي أبي من عند النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظ في الفتح، والعيني في العمدة: هذا يشعر بأنه ما وفد مع أبيه، ولكن لا يمنع أن يكون وفد بعد ذلك. (قال) أي لهم (جئتكم والله من عند النبي حقاً) قال الطيبي: هذا حال من الضمير العائد إلى الموصول، أعنى الألف واللام في النبي - صلى الله عليه وسلم - على تأويل الذي نبي حقاً- انتهى. أو حال كونه محقاً، قاله ابن حجر، أو حق هذا القول حقاً، قاله القاري. (فقال) .. أي النبي - صلى الله عليه وسلم - قولاً من جملته. (فإذا حضرت الصلاة) أي وقتها. (فليؤذن أحدكم) أي خياركم خير لكم. فلا ينافي ما تقدم من حديث ابن عباس: ليؤذن لكم خياركم؛ لأن هذا لبيان لأفضل، وذلك لبيان الأجزاء، قاله القاري. (فليؤمكم) كذا في جميع النسخ الحاضرة أي بالفاء. والذي في البخاري وليؤمكم أي بالواو، وكذا أي بالواو نقله المجد بن تيمية في المنتقى، والزيلعي في نصب الراية، والجزري في جامع الأصول (ج٦ ص٣٨٧) . فالظاهر أن ما وقع في المشكاة خطأ من النساخ. (أكثركم قرآناً) ولأبي داود: قالوا يا رسول الله! من يؤمنا؟ قال أكثركم جمعاً للقرآن. (فنظروا) أي في الحي. (فلم يكن أحد أكثر) بنصبه قال القاري: وفي نسخه بالرفع، أي فلم يوجد أحد أكثر. (لما كنت أتلقى) أي القرآن من التلقي، وهو التلقن والأخذ. (فقدموني بين أيديهم) أي للإمامة. (وأنا ابن ست أو سبع سنين) وللنسائي: وأنا ابن ثمان سنين. ولأبي داود: وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين. (وكانت عليّ بردة) شمله مخططة. وقيل: كساء أسود مربع فيه صفر تابسه الأعراب. وفي رواية لأبي داود: وعليّ بردة لى صغير صفراء. وفي أخرى: كنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق. (تقلصت عني) بقاف ولام مشددة وصاد مهملة، أي انجمعت