المعنى الأول. قيل: خفة الصلاة عبارة عن عدم تطويل قراءتها فوق ما ورد، وعين في الأحاديث وعن تخفيف القعود وتمامها عبارة عن الإتيان بجميع الأركان والواجبات والسنن وعن إتمام الركوع والسجود، فقد روى النسائي من حديث زيد بن أسلم عن أنس قال: ما صليت وراء إمام أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إمامكم هذا. (يعني عمر بن عبد العزيز) قال زيد: وكان عمر بن عبد العزيز يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود. وروى أبوداود والنسائي من حديث أنس أيضاً قال: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز، فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات. فقد علم من هذين الحديثين أن المراد بخفة الصلاة تخفيف القيام والقعود، وبتمامها اتمام الركوع والسجود، وعلم أيضاً أن من سبح في الركوع والسجود عشر تسبيحات لا يكون فعله مخالفاً لما وصف به أنس صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خفتها مع التمام. وقيل: التخفيف أمر نسبي، فرب طويل يكون قصيراً بالنسبة إلى أطول منه، والقصير يكون طويلاً بالنسبة إلى أقصر منه، فكانت صلاته - صلى الله عليه وسلم - خفيفة، ومع خفتها تكون تامة ولا اشكال فيه. وقيل: المراد أن تطويله - صلى الله عليه وسلم - يرى بالنسبة إلى صلاة الآخرين في غاية الخفة، يعني لو كان غيره - صلى الله عليه وسلم - يقرأ مثل هذه القراءة يرى طويلاً ويورث الملالة بخلافها عنه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان يورث ذوقاً ونشاطاً ولذة وحضور بالاستماع عنه - صلى الله عليه وسلم - من جهة حسن الصوت وجودة الأداء وبروز الأنوار وظهور الأسرار. وأيضاً كان في قراءته - صلى الله عليه وسلم - سرعة وطي لسان وزمان يتم في أدنى ساعة كثيراً منها مع كونها مجودة مرتلة مبينة. وقال ابن القيم في كتاب الصلاة بعد ذكر حديث الباب وحديث أنس عند البخاري بلفظ:"كان يوجز الصلاة ويكملها" ما لفظه: فوصف أي أنس صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالإيجاز والتمام، والإيجاز هو الذي كان يفعله لا الايجاز الذي يظنه من لم يقف على مقدار صلاته، فان الإيجاز أمر نسبي اضافي راجع إلى السنة لا إلى شهوة الإمام ومن خلفه، فلما كان يقرأ في الفجر بالستين إلى المائة. (أي آية) كان هذا الايجاز بالنسبة إلى ست مائة إلى ألف ولما قرأ في المغرب بالأعراف كان هذا الايجاز بالنسبة إلى البقرة، ويدل على هذا أن أنساً نفسه قال في الحديث الذي رواه أبوداود والنسائي: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز، فحرزنا في ركوعه عشر تسبيحات الخ. وأنس أيضاً هو القائل في الحديث المتفق عليه: إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله يصلي بنا. قال ثابت كان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي، وأنس هو القائل هذا، وهو القائل:"ما صليت وراء إمام أخف صلاة ولا أتم من صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وحديثه لا يكذب