من الشيطان الرجيم ثم قرأ:{الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} ، رواه الترمذي. وقال هذا حديث غريب.
ــ
من الشيطان الرجيم) وليخالفه، وفيه إيماء إلى أن الكل من الله، وإنما الشيطان عبد مسخر أعطي له التسليط على بعض أفراد الإنسان كما قال الله تعالى:{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}[١٥: ٤٢] ، وإنما لم يقل هنا فليعلم أنه من الله تأدباً معه، إذ لا يضاف إليه إلا الخير (ثم قرأ) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - استشهاداً:{الشيطان يعدكم الفقر} أي يخوفكم به {ويأمركم بالفحشاء} أي البخل والحرص وسائر المعاصي، والمعنى الشيطان يعدكم الفقر ليمنعكم عن الإنفاق في وجوه الخيرات، ويخوفكم الحاجة لكم أو لأولادكم في ثاني الحال سيما في كبر السن وكثرة العيال، ويأمركم بالفحشاء أي المعاصي، وهذا الوعد والأمر هما المرادان في الحديث (رواه الترمذي) في تفسير البقرة، وأخرجه أيضاً النسائي في التفسير، وابن حبان في صحيحه، وابن أبي حاتم، كلهم من طريق هناد بن السري عن أبي الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن ابن مسعود. قال العزيزي: قال الشيخ: حديث صحيح (وقال هذا حديث غريب) وفي النسخ الموجودة للترمذي عندنا هذا حديث حسن غريب، وكذلك نقله الحافظ ابن كثير في تفسيره، والمناوي في الفيض عن الترمذي، فلعل نسخ السنن مختلفة، ويعني الترمذي بقوله غريب أنه تفرد أبو الأحوص سلام بن سليم برفعه في روايته عن عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن ابن مسعود، لكن قال الحافظ ابن كثير بعد نقل قول الترمذي:"لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أبي الأحوص": كذا قال الترمذي وقد رواه أبوبكر بن مردويه في تفسيره عن محمد بن أحمد عن محمد بن عبد الله بن مسعود مرفوعاً نحوه، لكن رواه مسعر عن عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة عن ابن مسعود فجعله من قوله - انتهى. قال الألباني: وسند الحديث عندي ضعيف؛ لأن فيه عطاء بن السائب وقد اختلط - انتهى. وتعريف الغرابة وتفصيل أنواعها بالنظر إلى السند والمتن مذكور في أصول الحديث. وقد استشكلوا اجتماع الغرابة والحسن بأن الترمذي اعتبر في الحسن تعدد الطرق كما صرح به في كتاب العلل، فكيف يكون غريبا؟ وأجيب بأن اعتبار تعدد الطرق في الحسن ليس على الإطلاق بل في قسم منه، وحيث حكم باجتماع الحسن والغرابة المراد قسم آخر. وقال بعضهم: أشار بذلك إلى اختلاف الطرق بأن جاء في بعض الطرق غريباً وفي بعضها حسناً. وقيل: حذف منه حرف أو فيشك الترمذي ويتردد في أنه غريب أو حسن لعدم معرفة جزماً. وقيل: المراد بالحسن ههنا ليس معناه الاصطلاحي بل اللغوي بمعنى ما يميل إليه الطبع، وهذا القول بعيد جداً، قاله الشيخ عبد الحق الدهلوي في مقدمة شرحه للمشكاة. وقال الحافظ في شرح النخبة: الجواب (أي عن هذا الإشكال) أن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقاً، وإنما عرف بنوع خاص منه وقع في كتابه، وهو ما يقول فيه حسن من غير صفة أخرى، وذلك أنه يقول في بعض الأحاديث حسن وفي بعضها صحيح وفي بعضها غريب وفي بعضها حسن غريب وفي بعضها صحيح غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب، وتعريفه إنما