ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت
المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك)) . متفق عليه.
١٢١٩- (٢) عن عائشة، قالت:((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل افتتح صلاته فقال: اللهم رب جبريل
ــ
ذلك مع كونه مغفوراً له إما على سبيل التواضع والهضم لنفسه إجلالاً وتعظيماً لربه، أو على سبيل التعليم لأمته لتقتدي به (ما قدمت) أي قبل هذا الوقت. (وما أخرت) أي وما سأفعل أو ما فعلت وما تركت. (وما أسررت وما أعلنت) أي أخفيت وأظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني. (وما أنت أعلم به مني) هذا من ذكر العام بعد الخاص. (أنت المقدم وأنت المؤخر) قال المهلب: أشار بذلك إلى نفسه، لأنه المقدم في البعث في الآخرة والمؤخر في البعث في الدنيا. وقال عياض: قيل: معناه المنزل للأشياء منازلها يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء، وجعل عباده بعضهم فوق بعض درجات. وقيل: هو بمعنى الأول والآخر، إذ كل متقدم على متقدم فهو قبله، وكل مؤخر على متأخره فهو بعده، ويكون المقدم والمؤخر بمعنى الهادي والمضل قدم من يشاء لطاعته لكرامته، وأخر من شاء بقضائه لشقاوته- انتهى. قال الكرماني: هذا الحديث من جوامع الكلم، لأن لفظ القيم إشارة إلى أن وجود الجواهر وقوامها منه، وبالنور إلى أن الأعراض أيضاً منه، وبالملك إلى أن حاكم عليها إيجاداً وإعداماً، يفعل ما يشاء كل ذلك من نعم الله تعالى على عباده، فلهذا قرن كلاً منها بالحمد وخصص الحمد به، ثم قوله: أنت الحق إشارة إلى أنه المبدئ للفعل والقول ونحوه إلى المعاش والساعة، ونحوها إشارة إلى المعاد، وفيه الإشارة إلى النبوة وإلى الجزاء ثواباً وعقاباً، ووجوب الإسلام والإيمان والتوكل والإنابة والتضرع إلى الله تعالى والخضوع له- انتهى. وفيه زيادة معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعظمة ربه وعظيم قدرته ومواظبته في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف له بحقوقه والإقرار بصدق وعده ووعيده وغير ذلك. وفيه استحباب تقديم الثناء على المسألة عند كل مطلوب إقتداء به - صلى الله عليه وسلم -. (لا إله إلا أنت ولا إله غيرك) قال القاري: وفي نسخة "أو" بدل الواو. قال ميرك: كذا في البخاري بلفظ: "أو" -انتهى. (متفق عليه) واللفظ للبخاري في باب التهجد بالليل إلا قوله: "وما أنت أعلم به مني"، فإنه أخرج الحديث بهذه الزيادة في التوحيد، وزاد في الدعوات: أنت إلهي لا إله غيرك. والحديث أخرجه أيضاً مالك في الصلاة، والترمذي في الدعوات، وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي في الصلاة.
١٢١٩- قوله:(افتتح صلاته) أي التهجد. (اللهم رب جبريل) منصوب على أنه منادى بتقدير حرف النداء، أو بدل من"اللهم" لا وصف له، لأن لحوق الميم المشددة مانع من التوصيف عند سيبويه، نعم جوز