ولقاءك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبي ون حق ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي
ــ
وقال القاري: فإن قلت لم عرف الحق في الأوليين ونكر في البواقي؟ قلت: المعرف بلام الجنس، والنكرة المسافة بينهما قريبة، بل صرحوا بأن مؤداهما واحد لا فرق بينهما، إلا بأن في المعرفة إشارة إلى أن الماهية التي دخل عليها اللام معلومة للسامع، وفي النكرة لا إشارة إليها وإن لم تكن إلا معلومة. وفي صحيح مسلم: قولك الحق بالتعريف أيضاً. وقال الخطابي: عرفهما للحصر، وذكر ما قاله الطيبي- انتهى. (ولقاءك حق) أي المصير إلى الآخرة. وقيل: رؤيتك في الدار الآخرة حيث لا مانع. وقيل: لقاء جزائك لأهل السعادة والشقاوة، وهو وما ذكر بعده داخل تحت الوعد. لكن الوعد مصدر، وما ذكر بعده هو الموعود به، ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام كما أن ذكر القول بعد الوعد من العام بعد الخاص، وقد يراد باللقاء الموت لكونه وسيلة إلى اللقاء، وأبطله النووي. (وقولك حق) أي مدلوله ثابت. وقد تقدم أن في رواية مسلم: وقولك الحق بالتعريف. (والجنة حق والنار حق) أي كل منهما موجود. (ومحمد حق) خص محمداً - صلى الله عليه وسلم - من بين النبي ين بالذكر تعظيماً له، وعطفه عليهم إيذاناً بالتغاير، وأنه فائق عليهم عليهم بأوصاف مختصة به، فإن تغاير الوصف ينزل منزلة تغاير الذات، ثم حكم عليه استقلالاً بأنه حق وجوده عن ذاته كأنه غيره وأوجب عليه الإيمان به وتصديقه مبالغة في إثبات نبوته كما في التشهد. وقال السندي: قوله: محمد حق التأخير للتواضع وهو أنسب بمقام الدعاء، وذكره على الإفراد لذلك وليتوسل بكونه نبياً حقاً إلى إجابة الدعاء. وقيل: هو من عطف الخاص على العام تعظيماً له ومقام الدعاء يأبى ذلك- انتهى. (والساعة حق) أي يوم القيامة. وأصل الساعة الجزء القليل من اليوم أو الليلة ثم استعير للوقت الذي تقام فيه القيامة، يريد أنها ساعة حقيقة يحدث فيها أمر عظيم. وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها، وأنها مما يجب أن يصدق بها. وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد. (لك أسلمت) أي انقدت وخضعت. (وبك آمنت) أي صدقت. (وعليك توكلت) أي فوضت الأمر إليك تاركاً للنظر في الأسباب العادية. (وإليك أنبت) أي رجعت إليك مقبلاً بقلبي إليك. قيل: التوبة والإنابة كلاهما بمعنى الرجوع، ومقام الإنابة أعلى وأرفع. (وبك خاصمت) أي بما أعطيتني من البراهين وبما لقنتني من الحجج خاصمت من خاصمني من أعدائك بتأئيدك ونصرتك قاتلت. (وإليك حاكمت) أي رفعت أمري إليك. والمحاكمة رفع الأمر إلى القاضي. قال الحافظ: أي كل من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحكم بيني وبينه لا غير مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من كاهن ونحوه، فلا أرضى إلا يحكمك ولا أعتمد غيره. وقدم مجموع صلات هذه الأفعال عليها إشعاراً بالتخصيص وإفادة للحصر. وقال السندي: الظاهر أن تقديم الجار للقصر بالنظر إلى سائر ما عبد من دون الله تعالى. (فاغفر لي) قال