ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم)) ، متفق عليه.
٨٤- (٦) وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت:((دعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من الأنصار
ــ
عبيد الله (ليعمل عمل أهل النار) أي ظاهراً وصورة أو أولاً أو في نظر الخلق (وإنه من أهل الجنة) أي باطناً ومعنى أو آخراً أو في علم الله، والواو حالية وإن مكسورة بعدها (ويعمل) أي عبد آخر (إنما الأعمال بالخواتيم) أي اعتبار الأعمال بالعواقب والأواخر، وهو جمع خاتمة، وهذا تذييل للكلام السابق مشتمل على معناه لمزيد التقرير، يعني أن العمل السابق ليس بمعتبر، وإنما المعتبر العمل الذي ختم به كما لوح به حديث ابن مسعود حيث قال "فيسبق عليه الكتاب الخ"، وفيه حث على المواظبة بالطاعات ومحافظة الأوقات عن المعاصي خوفاً من أن يكون ذلك آخر عمله، وفيه زجر عن العجب والتفرح بالأعمال فإنه لا يدري ماذا يصيبه في العاقبة، وفيه أنه لا يجوز الشهادة لأحد بالجنة ولا بالنار، فإن أمور العبد بمشيئة الله وقدره السابق، وفيه أيضاً أن الله يتصرف في ملكه ما يشاء وكيف يشاء. وكل ذلك عدل وصواب، وليس لأحد اعتراض عليه، لأنه مالك والمخلوق مملوك، واعتراض المملوك على المالك قبيح موجب للتعذيب، قال تعالى:{لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون}[٢١: ٢٣] ، وفيه حجة قاطعة على القدرية في قولهم: إن الإنسان يملك أمر نفسه ويختار لها الخير والشر. وهذه القطعة من الحديث لم يروها مسلم من حديث سهل بل روي معناها من حديث أبي هريرة (متفق عليه) أي على أصل الحديث وإلا فقوله: "وإنما الأعمال بالخواتيم" ليس عند مسلم، وكذا أخرجه أحمد (ج٥: ص٣٣٢) بغير هذه الزيادة، وفي الباب عن أبي هريرة عند مسلم، وعائشة عند أحمد وابن حبان، وابن عمر والعرس بن عميرة عند البزار، وعمرو بن العاص وأكتم بن أبي الجون عند الطبراني، وأنس عند أحمد، وصححه ابن حبان، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد والنسائي والترمذي، وعلي عند الطبراني، ومعاوية عند ابن حبان.
٨٤-قوله:(وعن عائشة) هي أم المؤمنين الصديقة بنت أبي بكر الصديق التيمية، تكنى أم عبد الله، وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر، أفقه النساء مطلقا وأفضل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا خديجة، ففيها خلاف شهير. خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها بمكة في شوال سنة (١٠) من النبوة، وقبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل غير ذلك، وبني بها بالمدينة في شوال سنة (٢) من الهجرة على رأس ثمانية عشر شهرا، ولها تسع سنين. وبقيت معه تسع سنين، ومات عنها ولها ثماني عشر سنة، ولم يتزوج غيرها بكراً. وكانت فقيهة عالمة فصيحة فاضلة كثيرة الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عارفة بأيام العرب وأشعارها. روى عنها جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين. وماتت بالمدينة سنة (٥٧) ليلة الثلاثاًء لسبع عشرة خلت من رمضان، وأمرت أن تدفن ليلاً فدفنت بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة، وكان يومئذٍ خليفة مروان على المدينة في أيام معاوية قال الخزرجي: لها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث، اتفقا على مائة وأربعة وسبعين،