للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله عزوجل: {ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها} )) رواه مسلم.

٨٨- (١٠) وعن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل شاب، وأنا أخاف على نفسي العنت

ــ

السيد جمال الدين: كذا وقع بصيغة المجهول في أصل سماعنا من صحيح مسلم، وهو الأرجح معنىً أيضاً، لكن وقع في أكثر نسخ المشكاة بصيغة المعروف - انتهى. والمعنى: أخبرنا أن ما يعمله الناس من الخير والشر أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من الأزل، ويجري فيهم في وقت معلوم، أم شيء لم يقض عليهم في الأزل، بل يجري عليهم كل فعل في الوقت الذي يستقبله الرجل ويقصده من غير أن يجري عليه التقدير؟ والحاصل أن ما يفعله الإنسان من الشر والخير أهو مبني على قضاء وقدر سابق، أي مقدر ومقضي سابقاً في الأزل، أم هو أمر مستأنف ليس مبنياً على قدر وقضاء سابق، وشيء أنف لم يقض ولم يقدر عليهم في الأزل، بل هو كائن فيما يستقبلون من الزمان فيه يتوجهون إلى العمل ويقصدون بقدرتهم الحقيقية واختيارهم المستقل من غير سبق تقدير قبل ذلك، فقوله: "فيما يستقبلون" في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو كائن في الزمان الذي يستقبلونه، معطوف على قوله: "شيء قضي عليهم". (مما أتاهم به نبيهم) الباء للتعدية، ولفظ "من" في "مما أتاهم" بيان لما في قوله "ما يعمل الناس"، أو بيان لما في قوله: "ما يستقبلون"، والأول أولى كما قال السيد جمال الدين. (وثبتت الحجة عليهم) بظهور صدق نبيهم بالمعجزات، وفي تفسير ابن جرير: أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وأكدت به عليهم الحجة. (فقال) - صلى الله عليه وسلم - (لا) أي ليس الأمر أنفاً في المستقبل (بل) هو (شيء قضي عليهم) في الأزل، أو المعنى لا تردد فإن الأمر مبني على قدر وقضاء سابق جزماً، وزاد في رواية ابن جرير وغيره: "قال: فلم يعملون إذن؟ قال: من كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين يهيئه لعملها". (وتصديق ذلك) إشارة إلى ما ذكر أنه قضي عليهم. {ونفس} بالجر على الحكاية، والمراد بها جميع النفوس، والتنوين للتنكير أو التكثير، وقيل: المراد نفس آدم. {وما سواها} ما مصدرية أو موصولة، ورجحه ابن جرير، ومعنى سواها: أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة، وقيل: عدلها على هذا القانون الأحكم في أعضائها وما فيها من الجواهر والأعراض والمعاني، وغير ذلك. {فألهمها فجورها وتقواها} أي أرشدها إلى فجورها وتقواها، أي بين لها طريقي الخير والشر، وهداها إلى ما قدر لها في الأزل. قال الواحدي: هذا صريح في أن الله خلق في المؤمن تقواه وفي الكافر فجوره. قال القاري: وجه الاستدلال بالآية أن ألهمها بلفظ الماضي يدل على أن ما يعملونه من الخير والشر قدر جرى في الأزل. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج٤:ص٤٣٨) وابن جرير وغيرهما.

٨٨- قوله: (وأنا أخاف) وعند الكشمهيني "وإني أخاف" (العنت) بفتحتين - الفساد والإثم والهلاك ودخول

<<  <  ج: ص:  >  >>