للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا أجد ما أتزوج به النساء، كأنه يستأذنه في الاختصاء، قال: فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أباهريرة جف القلم بما أنت لاق، فاختص على ذلك أو ذر)) رواه البخاري.

٨٩- (١١) وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن

ــ

المشقة على الإنسان واكتساب المأثم والزنا، والمراد هنا: الوقوع في الهلاك بالزنا. (كأنه يستأذنه في الاختصاء) هذا كلام أحد الرواة، وقيل: هو قول الراوي عن أبي هريرة، وليس هذا في البخاري. وعند أبي نعيم "فأذن لي أختص"، والاختصاء - بالمد - هو الشق على الأنثيين وانتزاعهما. (فسكت عني) أي عن جوابي. (ثم قلت مثل ذلك) أي في الرابعة إلحاحاً ومبالغة. (جف القلم) قال التوربشتي: هو كناية عن جريان القلم بالمقادير وإمضائها والفراغ منها. قال الطيبي: هذا من باب إطلاق اللازم على الملزوم؛ لأن الفراغ يستلزم جفاف القلم عن مداده، والمعنى: أن ما كان وما يكون قدر في الأزل، ونفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ، فبقي القلم الذي كتب به جافاً لا مداد فيه لفراغ ما كتب به. قال عياض: كتابة الله ولوحه وقلمه من غيب علمه الذي نؤمن به ونكل علمه إليه. (بما أنت لاقٍ) أي جف القلم بالفراغ من كتابة ما هو كائن في حقك، أي قد كتب عليك وقضي ما تلقاه في حياتك، والمقدر لا يتبدل بالأسباب، فلا يجوز ارتكاب الأسباب المحرمة لأجله، نعم إذا شرع الله تعالى سبباً أو أوجبه فالمباشرة به شيء آخر. (فاختص) أمر من الاختصاء (على ذلك) في موضع الحال، يعني إذا علمت أن كل شيء مقدر فاختص حال كون فعلك وتركك واقعاً على ما جف القلم، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف، أي اختص على حال استعلائك على العلم بأن كل شيء بقضائه وقدره. (أو ذر) أي إن شئت اختصيت بلا فائدة، وإن شئت تركته، وليس هو من باب التخيير والإذن في الخصاء، بل توبيخ وتهديد، كقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [١٨: ٢٩] ، والمعني إن فعلت أو لم تفعل فلابد من نفوذ القدر، ومحصل الجواب أن جميع الأمور بتقدير الله في الأزل، فالخصاء وتركه سواء، فإن الذي قدر لابد أن يقع فلا فائدة في الاختصاء، فـ"أو" للتسوية، ووقع في أكثر نسخ المصابيح "فاختصر" بزيادة الراء، بمعنى أن الاختصار على ما ذكرت لك من التقدير والتسليم له، وتركه والإعراض عنه سواء، فإن ما قدر لك فهو لا محالة لاقيك وما لا فلا. (رواه البخاري) في النكاح، وأخرجه أيضاً النسائي.

٨٩- قوله: (بين إصبعين من أصابع الرحمن) هذا من أحاديث الصفات التي نؤمن بها ونعتقد أنها حق من غير تعرض لتأويل ولا لمعرفة المعنى، فالإيمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق

<<  <  ج: ص:  >  >>