للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كقلب واحد يصرفه كيف شاء، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)) ، رواه مسلم.

٩٠- (١٢) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة

ــ

التسليم، والخائض فيها زائغ، والمنكر معطل، والمكيف مشبه، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء} [٤٢: ١١] ، وقيل: هذا الحديث من أحاديث الصفات التي تقبل التأويل، فيتأول حسب ما يليق بجلاله الأقدس وكماله الأنفس، فعلى هذا إطلاق الإصبع عليه تعالى مجاز، وهو كما يقال: "فلان في قبضتي"، أي في كفي، لا يراد به أنه حال في كفه، بل المراد تحت قدرتي، ويقال: "فلان بين إصبعي أقلبه كيف شئت"، أي إنه هين علي قهره والتصرف فيه كيف شئت، ومعنى الحديث: أن تقليب القلوب في قدرته يسير، يعني أنه تعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء، ولا يمتنع عليها منها شيء ولا يفوته ما أراده، كما لا يمتنع على الإنسان ما كان بين إصبعيه، فخاطب العرب بما يفهمونه، ومثله بالمعاني الحسية تأكيداً له في نفوسهم، وقيل غير ذلك في تأويله، وعندنا التفويض هو المتعين. قال النووي: فإن قيل: فقدرة الله واحدة والإصبعان لتثنية؟ فالجواب: أنه قد سبق أن هذا مجاز واستعارة، فوقع التمثيل بحسب ما اعتادوه غير مقصود به التثنية والجمع - انتهى. وقال في المجمع: هو تمثيل عن سرعة تقلبها، وأنه معقود بمشيئة الله، وتخصيص الأصابع كناية عن أجزاء القدرة والبطش؛ لأنه باليد، والأصابع أجزاءها. (كقلب واحد) بالوصف، يعني كما أن أحدكم يقدر على شيء واحد، الله تعالى يقدر على جميع الأشياء دفعة واحدة لا يشغله شأن، ونظيره قوله تعالى: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} [٣١: ٢٨] ، وليس المراد أن التصرف في القلب الواحد أسهل بالقياس إليه تعالى، إذ لا صعوبة بالقياس إليه تعالى، بل ذلك راجع إلى العباد وإلى ما عرفوه فيما بينهم. (يصرفه) بالتشديد أي يقلب القلب الواحد أو جنس القلب. وفي بعض نسخ المصابيح بتأنيث الضمير أي القلوب. (كيف يشاء) حال عن تأويل هيناً سهلاً لا يمنعه مانع، أو مصدر أي تقليباً سريعاً سهلاً، وفي بعض نسخ صحيح مسلم "حيث يشاء". (صرف قلوبنا على طاعتك) أي إليها أو ضمن معنى التثبيت. ويؤيده ما ورد "ثبت قلبي على دينك". وفيه إرشاد للأمة وإعلام بأن نفسه القدسية الطاهرة المطهرة إذا كانت مفتقرة إلى اللجوء إليه كان غيره أولى وأحرى. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي.

٩٠- قوله: (ما من مولود) أي من بني آدم، كما في رواية (إلا يولد) قيل: مولود مبتدأ، ويولد خبره، أي ما من مولود يوجد على أمر من الأمور إلى على هذا الأمر. (على الفطرة) الفطر الابتداء والاختراع. والفطرة الحالة والهيئة منه. واختلف السلف في المراد بالفطرة في الحديث على أقوال كثيرة، أشهرها: أن المراد بها الإسلام، وبه جزم البخاري ورجحه كثير من السلف، ويؤيده ما في رواية "الملة"، بدل الفطرة؛ لأن ما صدقهما واحد، وحديث عياض بن حمار مرفوعاً من الحديث القدسي: ((إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ... )) الحديث. وقد رواه غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>