يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) رواه مسلم.
ــ
العدل في القسمة وغيرها، وهو الموافق لحديث أبي هريرة الآتي:((يرفع الميزان ويخفضه)) ، والمعنى أن الله يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم النازلة من عنده، كما يرفع الوزان يده ويخفضها عند الوزن، فهو تمثيل وتصوير لما يقدر الله تعالى وينزل، ويحتمل أنه أشار إلى قوله تعالى:{كل يوم هو في شأن}[٥٥: ٢٩] ، أي إنه يحكم بين خلقه بميزان العدل، فأمره كأمر الوزان الذي يزن فيخفض يده ويرفعها، وهذا المعنى أنسب بما قبله، كأنه قيل: كيف كان يجوز عليه النوم وهو الذي يتصرف أبداً في ملكه بميزان العدل، وقيل: أريد بالقسط الرزق؛ لأنه قسط كل مخلوق ونصيبه، وخفضه تقليله ورفعه تكثيره، يخفضه تارة بتقتير الرزق والخذلان بالمعصية، ويرفعه أخرى يتوسيع الرزق والتوفيق للطاعة، ففيه رد على القدرية. (يرفع إليه) أي للعرض عليه، وإن كان هو تعالى أعلم به ليأمر الملائكة بإمضاء ما قضي لفاعله جزاء له على فعله، أو يرفع إلى خزائنه ليحفظ إلى يوم الجزاء. (قبل عمل النهار) أي قبل رفع عمل النهار (وعمل النهار) عطف على عمل الليل (قبل عمل الليل) أي قبل أن يشرع العبد في عمل الليل، أو قبل أن يرفع العمل بالليل، والأول أبلغ؛ لأن الزمن أقصر، ولما فيه من الدلالة على مسارعة الملائكة المؤكلة إلى رفع الأعمال وسرعة عروجهم إلى ما فوق السماوات. (حجابه النور) هذه هي الكلمة الخامسة، وأصل الحجاب هو الستر الحائل بين الرائي والمرئي، والمراد ههنا هو المانع للخلق عن إبصاره في دار الفناء، والكلام في دار البقاء، فلا يرد أن الحديث يدل على امتناع الرؤية في الآخرة، وكذا لا يرد أنه ليس له مانع عن الإدراك فكيف قيل: حجابه النور؟ يريد أن حجابه خلاف الحجب المعهودة، فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله وسعة عظمته وكبريائه، وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول وتذهب الأبصار وتتحير البصائر. (لو كشفه) أي رفع ذلك الحجاب وأزاله، هذا هو المتبادر من كشف الحجاب، وقيل: المراد لو أظهره. (سبحات وجهه) بضمتين جمع سبحة - بالضم كغرفة وغرفات، وفسر سبحات الوجه بجلاله وأنواره وبهائه، وقيل: محاسنه؛ لأنك إذا رأيت الوجه الحسن قلت سبحان الله. (ما انتهى) أي وصل (إليه) الضمير لما (بصره) أي بصر الله تعالى، والمعنى لأحرقت سبحات ذاته كل مخلوق انتهى إلى ذلك المخلوق بصره تعالى، ومعلوم أن بصره محيط لجميع الكائنات، فكيف إذا كشف، فهذا كناية عن هلاك المخلوق أجمع، وقيل: الضمير في "بصره" راجع إلى "ما"، وهو موصول مفعول به لأحرقت، وضمير "إليه" راجع إلى وجهه تعالى، والمراد ما انتهى بصره إلى الله تعالى أي كل من يراه يهلك، فكأنهم راعوا أن الحجاب مانع عن إبصارهم، فعند الرفع ينبغي أن يعتبر إبصارهم وإلا فإبصاره تعالى دائم. (من خلقه) بيان لما في قوله "ما انتهى" والمعنى لو أزال المانع من رؤيته وهو الحجاب المسمى نوراً فتجلى لما وراءه من حقائق الصفات وعظمة الذات لأحرق جلال ذاته ونور وجهه جميع مخلوقاته. (رواه مسلم) في الإيمان وأخرجه أيضاً أحمد (ج٤:ص٣٩٥، ٤٠٥)