للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٢- (١٤) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع،

وابن ماجه في السنة وابن حبان، قيل: معنى الحديث مسبوك من معنى آية الكرسي، فهو سيد الأحاديث كما أنها سيد الآيات، ذكره الطيبي ثم بينه وأوضحه فارجع إليه.

ــ

٩٢- قوله: (يد الله) الواجب في هذا اللفظ وفي أمثاله الإيمان بما جاء في الحديث والتسليم، وترك التصرف فيه للعقل، وهو مذهب السلف، واختلف المأولون في تأويله، فقيل: المراد باليد النعمة، وفسرها بعضهم بالخزائن، وقال: أطلق اليد على الخزائن لتصرفها فيها، والمعنى بالخزائن قوله {كن فيكون} ، ولذلك لا ينتقص أبداً. (ملأى) على زنة فعلى، تأنيث ملآن، قالوا: المراد به لازمه، وهو أنه في غاية من الغنى، وعنده من الرزق ما لا نهاية له في علم الخلائق، فهو كناية عن كثرة نعمته وغزارتها وجزالة عطاياه وعمومها. (لا تغيضها) بفتح الفوقية، وقيل: بالياء، أي لا تنقصها، لازم ومتعدٍ. (سحاء) بفتح المهملتين مثقل ممدود، على زنة فعلاء، لا أفعل لها، كهطلاء، أي دائمة الصب بالعطاء، من سح يسح - بكسر السين في المضارع، ويجوز ضمها - أي سال وانصب متتابعاً غزيراً، وضبط في مسلم "سحاً" منوناً بلفظ المصدر، أي تسح سحاً. (الليل والنهار) منصوبان على أنهما ظرف لسحاء، والمراد به عدم الانقطاع لمادة عطائه كالعين التي لا يغيضها الاستقاء ولا ينقصها الامتياح، وفي الحديث إشارة إلى أنها المعطية عن ظهر غنى؛ لأن الماء إذا انصب من فوق انصب بسهولة وعفو، وإلى جزالة عطاياه؛ لأن السح يستعمل فيما ارتفع عن حد التقاطر إلى حد السيلان، وإلى أنه لا مانع لها؛ لأن الماء إذا أخذ في الانصباب من فوق لم يستطع أحد أن يرده، وإلى أنه لا انقطاع لها لوصف السح بالدوام. (أرأيتم) أي أخبروني، وقيل: أعلمتم وأبصرتم؟ (ما أنفق) ما مصدرية، أي إنفاق اليد، وقيل: ما موصولة متضمنة معنى الشرط. (فإنه) أي الإنفاق (لم يغض) بفتح الياء وكسر الغين المعجمة، أي لم ينقص. (ما في يده) موصولة مفعول، وقال الطيبي: يجوز أن تكون ملأى ولا تغيضها وسحاء وأرأيتم على تأويل القول - أي مقول فيها - أخباراً مترادفة ليد الله، ويجوز أن تكون الثلاثة الأخيرة أوصافاً لملأى، وأن يكون "أرأيتم" استئنافاً فيه معنى الترقي، وقال أيضاً: لما قيل ملأى أوهم جواز النقصان، فأزال بقوله: "لا تغيضها"، وربما يمتلأ الشيء ولم يغض، فقيل "سحاء"؛ ليؤذن بالفيضان، وقرنهما بما يدل على الاستمرار من ذكر "الليل والنهار"، ثم أتبعها ما يدل على أن ذلك مقرر غير خاف على كل ذي بصر وبصيرة؛ لقوله "أرأيتم"، فإنه خطاب عام والهمزة للتقرير. (وكان عرشه) حال من ضمير خلق إلى آخر ما قال. (وبيده) وفي رواية "وبيده الأخرى" (الميزان) أي ميزان الأعمال والأرزاق. (يخفض ويرفع) أي يخفض من يشاء ويرفع من يشاء، أو ينقص من الرزق ويقتره على من يشاء، ويزيده ويوسعه على من يشاء بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه السابق، أو يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد

<<  <  ج: ص:  >  >>