شاء صلى ركعتين، وإن شاء أتم، والقصر عنده أفضل وأعجب- انتهى. والراجح عندي: أن لا يتم المسافر الصلاة، بل يلازم القصر كما لازمه - صلى الله عليه وسلم -، فالقصر في السفر كالعزيمة عندي، لكن لو خالف ذلك وأتم الصلاة أجزأ، سواء قعد القعدة الأولى أو نسيها ولم يقعد، فلا تلزم الإعادة، فيكون الإتمام مجزئاً، والله أعلم. وأما المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر، ولا يسوغ له في أقل منها، فاختلف العلماء في مقدارها اختلافاً كثيراً، فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحوا من عشرين قولاً. وأقل ما قيل في ذلك الميل كما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر، وإليه ذهب ابن حزم الظاهري. واحتج له بإطلاق السفر في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يخص الله ولا رسوله سفراً دون سفر، واحتج على ترك القصر فيما دون الميل بأنه - صلى الله عليه وسلم - قد خرج إلى الفضاء للغائط فلم يقصر. وذهب الظاهرية – كما قال النووي- إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبوداود من حديث أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة. قال الحافظ: وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه. وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر. (يعني أنه أراد به إذا سافر سفراً طويلاً قصر إذا بلغ ثلاثة أميال، كما قال في لفظه الآخر: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -، صلى بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة ركعتين) . ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنساً عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع. فقال أنس، فذكر الحديث. فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ منه القصر، ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة، بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها. ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به، فإن كان المراد به أنه لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلّم، لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها، فيؤخذ بالأكثر احتياطاً. وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال: قلت لسعيد بن المسيب: أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة؟ قال: نعم- انتهى. وقيل: مذهب الظاهرية القصر في كل سفر قريباً كان أو بعيداً. وقال مالك والشافعي وأحمد وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم: إنه لا تقصر الصلاة إلا في مسيرة اليوم التام بالسير الوسط، وهي أربعة برد وهو ستة عشر فرسخاً أي ثمانية وأربعون ميلاً بالهاشمي؛ لأن البريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال. قال النووي: والميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعاً معترضة ومعتدلة، والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة.