للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حجته لأربع خلون من ذي الحجة فأقام بها ثلاثاً يقصر، ولم يحسب اليوم الذي قدم فيه مكة؛ لأنه كان فيه سائراً، ولا يوم التروية؛ لأنه خارج فيه إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، فلما طلعت الشمس سار منها إلى عرفات، ثم دفع منها حيت غربت الشمس حتى أتى المزدلفة، فبات بها ليلتئذ حتى أصبح، ثم دفع منها حتى أتى منى فقضى بها نسكه، ثم أفاض إلى مكة فقضى بها طوافه، ثم رجع إلى منى فأقام بها، ثم خرج إلى المدينة، فلم يقم - صلى الله عليه وسلم - في موضع واحد أربعاً يقصر- انتهى كلام البيهقي. وتعقبه ابن التركماني، وتعقبه متجه عندي، قال: أقام بمكة أربعة أيام يقصر، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قدم صبح رابعة من ذي الحجة، فأقام الرابع والخامس والسادس والسابع وبعض الثامن ناوياً للإقامة بها بلا شك، ثم خرج إلى منى يوم التروية، وهو الثامن قبل الزوال. وهذا يبطل تقديرهم بأربعة أيام، ولهذا حكى ابن رشد عن أحمد وداود أنه إذا أزمع على أكثر من أربعة أيام أتم، قال واحتجوا بمقامه عليه السلام في حجته بمكة مقصراً أربعة أيام. وذكر صاحب التمهيد عن الأثرم قال أحمد: أقام عليه السلام اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح بالأبطح في الثامن. فهذه إحدى وعشرون صلاة قصر فيها، وقد أجمع على إقامتها وظهر بهذا بطلان قول البيهقي: "فلن يقم عليه السلام في موضع واحد أربعاً يقصر". وكيف يقول كان سائراً في اليوم الرابع مع أنه قدم في صبيحته فأقام بمكة؟! أو كيف لا يحسب يوم الدخول مع أن الأحكام المتعلقة بالسفر لينقطع حكمها يوم الدخول إذا نوى الإقامة، ويلحق بما بعده أصله رخصة المسح والإفطار؟! فلا معنى لإخراجه بعد نية الإقامة بغير دليل شرعي، وكذا يوم الخروج قبل خروجه. وفي اختلاف العلماء للطحاوي روي عن ابن عباس وجابر أنه عليه السلام قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، فكان مقامه إلى وقت خروجه أكثر من أربع، وقد كان يقصر الصلاة، فدل على سقوط الاعتبار بالأربع- انتهى كلام ابن التركماني. وأجاب بعضهم عن هذا التعقب بأنه إنما يخالفنا إذا أقام أربع ليال مع أيامها التامة. ويمكن أنه صلى الله عليه وسلم خرج في اليوم الثامن من قبل الوقت الذي دخل فيه في اليوم الرابع، فما تمت له أيام الأربع، كذا أجاب، ولا يخفى ما فيه، قلت: واستدل الشافعية والمالكية على مذهبهم بنهيه صلى الله عليه وسلم للمهاجر عن إقامة فوق ثلاث بمكة فتكون الزيادة عليها لإقامة لا قدر الثلاث. قال القسطلاني: الترخيص في الثلاث يدل على بقاء حكم السفر بخلاف الأربعة فالأربع حد الإقامة، وما دونه حد السفر يقصر فيه. وردّ ذلك بأن الثلاث قدر قضاء الحوائج لا لكونها غير إقامة. قال ابن حزم في المحلى (ج٥ص٢٤) : ليس في هذا الخبر نص ولا إشارة إلى المدة التي إذا أقامها المسافر يتم صلاته، وإنما هو في حكم المهاجر لا يقيم أكثر من ثلاثة أيام ليجاز شغله وقضى حاجته في الثلاث، ولا حاجة إلى أكثر منها، ولا يدل على أنه يصير مقيماً في الأربعة، ولو احتمل لا يثبت حكم شرعي بالاحتمال، قال وأيضاً

<<  <  ج: ص:  >  >>