بأن السبت أفضل، فأوحى الله تعالى إليهم: دعهم وما اختاروا، والظاهر أنه عينه لهم؛ لأن السياق دل على ذمهم في العدول عنه، فيجب أن يكون قد عينه لهم؛ لأنه لو لم يعينه لهم ووكل التعيين إلى اجتهادهم لكان الواجب عليهم تعظيم يوم لا بعينه، فإذا أدى الاجتهاد إلى أنه السبت أو الأحد لزم المجتهد ما أدى الاجتهاد إليه ولا يأثم، ويشهد له قوله هذا: يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فإنه ظاهر أو نص في التعيين، وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم، كما وقع لهم في قوله تعالى:{ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة}[٥٨:٢] وغير ذلك، وكيف لا وهم القائلون سمعنا وعصينا- انتهى. (فاختلفوا فيه) هل يلزم تعيينه أم يسوغ لهم أبداً له بغيره من الأيام وأبدلوه وغلطوا في إبداله، قاله النووي. وقال القسطلاني: اختلفوا فيه بعد أن عين لهم وأمروا بتعظيمه فتركوه وغلبوا القياس، فعظمت اليهود السبت للفراغ فيه من الخلق، وظنت ذلك فضيلة توجب عظم اليوم وقالت: نحن نستريح فيه من العمل ونشتغل بالعبادة والشكر، وعظمت النصارى الأحد؛ لأنه أول يوم بدأ الله فيه بخلق الخلق فاستحق التعظيم. (فهدانا الله له) أي لهذا اليوم بالوحي الوارد في تعظيمه بأن نص لنا ولم يكلنا إلى اجتهادنا ثم ثبتنا على قوله والقيام بحقوقه أو هدانا الله له بالاجتهاد الموافق للمراد، يعني وفقنا للإصابة حتى عينا الجمعة، ويشهد للثاني ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة فقالت الأنصار: إن لليهود يوماً يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى كذلك، فهلم فلنجعل يوماً نجتمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذٍ، وأنزل الله تعالى: بعد ذلك. {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة}[٩:٦٢] الآية، وهذا وإن كان مرسلاً، فله شاهد بإسناد حسن. أخرجه أحمد وأبوداود وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أسعد بن زرارة- الحديث. فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد. ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي، وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها ثم، فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطني. ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة. كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق. وقيل: في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه، والإنسان إنما خلق للعبادة فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه، كذا في الفتح. (والناس) وفي الصحيحين فالناس أي أهل الكتابين. (لنا) متعلق بتبع. وقيل: متعلقة محذوف، واللام تعليلية مشيرة إلى النفع. (فيه) أي في