عاش ثمان وثمانين سنة. قال الحافظ: وكأنه بناه على ما تقدم من مولده فهو تقريب - انتهى. وهو - رحمه الله - أحد الأئمة الحفاظ العلماء الفقهاء، لقي المشايخ الكبار، وأخذ الحديث عن قتيبة بن سعيد وهناد بن السري ومحمد بن بشار وعلي بن حجر ومحمود بن غيلان وأبي داود سليمان بن الأشعث وغير هؤلاء من المشايخ الحفاظ، وأخذ عنه الحديث خلق كثير، ومنهم الطبراني والطحاوي وأبوبكر بن السني الحافظ، وله كتب كثيرة في الحديث والعلل وغير ذلك، قال أبوالحسين بن المظفر: سمعت مشايخنا بمصر يعترفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة، ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار ومواظبته على الحج والجهاد وإقامته السنن المأثورة واحترازه عن مجالس السلطان، وإن ذلك لم يزل دأبه إلى أن استشهد، وقال الحاكم: سمعت عمرو بن علي الحافظ غير مرة يقول: أبوعبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره، وقال مرة: سمعت عمرو بن علي يقول: النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم، وأعلمهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة، فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه، فضربوه في الجامع، فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه وهو عليل، وتوفي مقتولاً شهيداً، وقال: أما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث فأكثر من أن يذكر، ومن نظر في كتابه السنن تحير، قال السيد جمال الدين المحدث: صنف النسائي في أول الأمر كتاباً يقال له السنن الكبير للنسائي، وهو كتاب جليل لم يكتب مثله في جمع طرق الحديث وبيان مخرجه، وبعده اختصره وسماه بالمجتنى - بالنون -، وسبب اختصاره أن أحداً من أمراء زمانه سأله أن جميع أحاديث كتابك صحيح؟ فقال في جوابه: لا، فأمره الأمير بتجريد الصحاح وكتابة صحيح مجرد، فانتخب منه المجتنى، وكل حديث تكلم في إسناده أسقطه منه، فإذا أطلق المحدثون بقولهم "رواه النسائي" فمرادهم هذا المختصر المسمى بالمجتنى، لا الكتاب الكبير، كذا في المرقاة، وقال ابن الأثير (ج١: ص١١٦) : وسأله بعض الأمراء عن كتابه السنن أكله صحيح؟ فقال: لا، قال: فاكتب لنا الصحيح منه مجرداً، فصنع المجتبى، فهو المجتبى من السنن، ترك كل حديث أورده في السنن (الكبيرة) مما تكلم في إسناده بالتعليل، رواه ابن عساكر، وسماه المجتنى بالنون أو الباء والمعنى قريب، والأشهر هو الأخير، وإذا أطلق أهل الحديث على أن النسائي روى حديثاً فإنما يريدون المجتبى لا السنن الكبرى، وهي إحدى الكتب الستة، قال الحافظ أبوعلي: للنسائي شرط في الرجال أشد من شرط مسلم، وكذلك الحاكم والخطيب كانا يقولان: إنه صحيح، وإن له شرطاً في الرجال أشد من شرط مسلم، لكن قولهم غير مسلّم، قال البقاعي في شرح الألفية عن ابن كثير: إن في النسائي رجالاً مجهولين إما عيناً أو حالاً، وفيهم المجروح، وفيه أحاديث ضعيفة ومعللة ومنكرة، وقال الشوكاني: وله مصنفات كثيرة في الحديث والعلل، منها السنن، وهي أقل السنن الأربع بعد الصحيح حديثاً ضعيفاً، قال الذهبي والتاج السبكي: إن النسائي أحفظ من مسلم صاحب الصحيح، هذا ملتقط من مقدمة تحفة الأحوذي (٦٤-٦٥) ، والتذكرة (ج٢: ٢٦٦-٢٦٩) ، والتهذيب (ج١: ٣٧-٣٩) ، وإتحاف النبلاء (١٨٩-١٩٠) ، وبستان المحدثين، هذا وقد ادعى الشيخ تقي النقي العلامة عبد الصمد شرف الدين في مقدمته القيمة للسنن الكبرى (١٧-١٩) أن حكاية ابن