للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٨- (٢٠) وعن أبي هريرة قال: ((خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى أحمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان، فقال: أبهذا أمرتم، أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم، عزمت عليكم أن لا تنازعوا فيه)) ، رواه الترمذي.

ــ

٩٨- قوله: (ونحن نتنازع في القدر) أي حال كوننا نتباحث في القدر بالإثبات والنفي. وقال القاري: أي في شأنه، فيقول بعضنا: إذا كان الكل بالقدر فلم الثواب والعقاب؟ كما قالت المعتزلة، والآخر يقول: فما الحكمة في تقدير بعض للجنة وبعض للنار؟ فيقول الآخر: لأن لهم نوع اختيار كسبي، فيقول الآخر: فمن أوجد ذلك الاختيار والكسب وأقدرهم عليه، وما أشبه ذلك. (حتى كأنما فقئ) بصيغة المجهول أي شق أو عصر في وجنتيه أي خديه (حب الرمان) ، وفي جامع الترمذي "في وجنتيه الرمان"، أي بغير لفظ "حب"، والمعنى حتى صار من شدة حمرته يشبه فقأ حب الرمان في خديه أي يشبه الأحمرار الحاصل به، فهو كناية عن مزيد حمرة وجهه المنبئة عن مزيد غضبه، وإنما غضب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى، وطلب سر الله منهي عنه؛ ولأن من يبحث فيه لا يأمن من أن يصير قدرياً أو جبرياً، والعباد مأمورون بقبول ما أمرهم الشرع من غير أن يطلبوا سر ما لا يجوز طلب سره. (أبهذا أمرتم) أي أبالتنازع في القدر أمرتم؟ وهمزة الاستفهام للإنكار، وتقديم المجرور لمزيد الاهتمام. (أم بهذا أرسلت إليكم) أم منقطعة بمعنى بل والهمزة، وهي للإنكار أيضاً ترقياً من الأهون إلى الأغلظ وإنكارا غب إنكار. (إنما هلك من كان قبلكم) أي من الأمم، جملة مستأنفة جواباً عما اتجه لهم أن يقولوا: لم تنكر هذا الإنكار البليغ؟ فأجيب بقوله: "إنما هلك" الخ، يعني ذلك الإنكار البليغ بسبب هذا العذاب البليغ الذي لا إمهال فيه. (عزمت عليكم) أي أقسمت وأوجبت (أن لا تنازعوا فيه) أي لا تبحثوا في القدر بعد هذا. قال ابن الملك: "أن" هذا يمتنع كونها مصدرية وزائدة؛ لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة و"أن" لا تزاد مع "لا"، فهي إذاً مفسرة كأقسمت أن لا ضربت، و"تنازعوا" جزم بلا الناهية، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة؛ لأنها مع اسمها وخبرها سدت مسد الجملة، كذا قاله زين العرب. (رواه الترمذي) وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح المري، وله غرائب ينفرد بها- انتهى. قلت: صالح المري هذا ضعيف، ضعفه ابن معين والدارقطني وابن المديني والبخاري والنسائي وغيرهم، فالحديث ضعيف، لكن يؤيده الحديث الذي بعده وحديث ابن مسعود مرفوعاً عند الطبراني بإسناد حسن بلفظ: ((إذا ذكر القدر فأمسكوا)) ، وحديث ثوبان عند الطبراني في الكبير بلفظ: ((اجتمع أربعون من الصحابة ينظرون في القدر)) الحديث، وحديث ابن عباس عند ابن جرير بلفظ: ((خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع ناساً من أصحابه ينظرون في القدر)) الحديث، وحديث أبي الدرداء ووائله وأبي أمامة وأنس عند الطبراني في الكبير بلفظ: ((قالوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>