أراد الدارقطني أن شعبة خالف هؤلاء الجماعة في سياق المتن واختصروه، وهم إنما أوردوه على حكاية قصة الداخل، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالصلاة ركعتين، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وهي قصة محتملة للخصوص. وسياق شعبة يقتضي العموم في حق كل داخل. قال الحافظ: فهي مع اختصارها أزيد من روايتهم، وليست بشاذة، فقد تابعه على ذلك روح بن القاسم عن عمرو بن دينار، أخرجه الدارقطني في السنن، فهذا يدل على أن عمرو بن دينار حدث به على الوجهين-انتهى. قلت: وقد تابعه على ذلك أيضاً ابن عيينة عن عمرو عند الدارقطني، وطلحة عن جابر عند أحمد وأبي داود، وأبوسفيان عن جابر عند أحمد ومسلم والدارقطني. فدعوى التفرد والشذوذ أو الإدراج باطلة مردودة. ومنها أن هذا الحديث مضطرب حيث ورد عند مسلم والنسائي في رواية شعبة عن عمرو بلفظ: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، وقد خرج الإمام فليصل ركعتين، وهذا يدل على أن الأمر بالصلاة ركعتين عند خروج الإمام، وقبل الشروع في الخطبة. وورد في بعض الروايات: إذا جاء أحدكم والإمام يخطب. وهذا يدل على أن الأمر بالتحية للداخل حال الخطبة. وورد عند البخاري والدارقطني في رواية شعبة عن عمرو: إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج أي بالشك. فما دام لم ينفصل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم لا تبني عليه المسألة. قلت: أكثر الروايات الصحيحة وأشهرها بلفظ: إذا جاء أحدكم والإمام يخطب، فيقدم على غيره على أنه لا اختلاف بين هذه الروايات، فإن حاصلها أنه يستحب صلاة التحية للداخل بعد خروج الإمام مطلقاً سواء شرع في الخطبة أو لم يشرع. و"أو" في رواية البخاري والدارقطني للتنويع لا للشك من الراوي. ومنها أن معنى قوله "والإمام يخطب" أي يريد ويقرب أن يخطب، يدل عليه قوله في رواية مسلم: وقد خرج الإمام، ففيه أن الأمر فيما لم يخطب بعد، وهو بصدد أن يخطب. قلت: فيه ارتكاب المجاز من غير حاجة وضرورة، فإنه لا منافاة بين اللفظين حتى يأول أحدهما إلى الآخر، فيشرع التحية لمن دخل حال كون الإمام قد خرج للخطبة شرع فيها أم لا. وفيه أيضاً أنه يقتضي جواز التحية للداخل في ابتداء قعود الإمام على المنبر، وهو خلاف مذهبهم، فإنهم صرحوا بأن خروج الإمام يقطع الصلاة والكلام، فلا يمهل الإمام اليوم أحداً أن يصلي شيئاً، ولا ينتظر له، ولا يمسك له عن الشروع في الخطبة. ومنها أن عمل أهل المدينة خلفاً عن سلف من لدن الصحابة إلى عهد مالك أن التنفل في حال الخطبة ممنوع مطلقاً، وهذا الجواب للمالكية، وهو أقوى ما اعتمدوه في هذه المسألة، كما صرح به القرطبي وغيره. قال الحافظ: وتعقب بمنع اتفاق أهل المدينة على ذلك. فقد ثبت فعل التحية عن أبي سعيد الخدري، روى ذلك عنه الترمذي وابن خزيمة وصححاه، وهو من فقهاء الصحابة من أهل المدينة، وحمله عنه أصحابه من أهل المدينة أيضاً، ولم يثبت عن أحد من الصحابة صريحاً ما يخالف ذلك. وأما ما نقله ابن بطال