للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المنع من المكالمة للغير، ولا مكالمة في الصلاة، ولو سلم أنه يتناول كل كلام حتى الكلام في الصلاة لكان عموماً مخصصاً بأحاديث الباب. وقال السندي: لا دليل على المنع من الركعتين عند الحنفية إلا حديث: إذا قلت لصاحبك أنصت. الخ. وذلك؛ لأن الأمر بالمعروف أعلى من تحية المسجد، فإذا منع منه منها بالأولى. وفيه بحث أما أولاً فلأنه استدلال بالدلالة أو القياس في مقابلة النص، فلا يسمع. وأما ثانياً فلأن المضي في الصلاة لمن شرع فيها قبل الخطبة جائز، بخلاف المضي في الأمر بالمعروف لمن شرع فيه قبل. فكما لا يصح قياس الصلاة على الأمر بالمعروف بقاء لا يصح ابتداء-انتهى. ومنها أن حديث جابر هذا أصله قصة سليك الغطفاني جعله الراوي قولاً كلياً وتشريعاً عاماً وضابطة من جانب نفسه، فهو إدراج من الراوي. وتوضيح ذلك أنه روي عن جابر في هذه المسألة حديثان: فعلي وقولي. أما الفعلي، وهي قصة سليك، فهو أنه قال: دخل رجل (وهو سليك الغطفاني) يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال صليت؟ قال لا، قال فصل ركعتين، رواه الجماعة. وأما الثاني أي القولي فهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة الخ. وكلاهما يدل على جواز صلاة التحية حال الخطبة للداخل بتلك الحالة خلافاً لمالك وأبي حنيفة. وقد حمل المانعون قصة سليك على أعذار، وأجابوا عنها بأجوبة تزيد على عشرة كلها مردودة، سردها الحافظ في الفتح مع الرد عليها. وقد تعقب العيني على كلام الحافظ ههنا كعادته بما لا يلتفت إليه. ومن أحب الوقوف على ذلك رجع إلى الفتح والعمدة. وأما الحديث القولي فتصدوا للجواب عنه أيضاً مع اعترافهم بأن التفصي عنه مشكل لكونه تشريعاً عاماً، فقال بعضهم قد تكلم الدارقطني في هذا المتن وأعله، فقال إن أصله واقعة جعله الراوي ضابطة، فالصواب أنه مدرج من الراوي. قلت: لم يقل الدارقطني بكون الحديث القولي مدرجاً، بل أشار إلى شذوذه، ولو سلم فلا يثبت الإدراج بالادعاء والوجدان، بل لا بد لذلك من وجود ما يدل على ذلك واضحة، كما ذكره أهل الأصول وليس ههنا شيء يدل على كونه مدرجاً. وأما قول بعضهم: أن القرينة عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان قاله في تلك القصة، يعني أنه لو كان الفعل والقول منه عليه السلام مسلسلاً، فلِمَ أمسك عن الخطبة إذن. ولَمِ أمهلها؟ فإن سنة التحية حينئذٍ أن تؤدى خلال الخطبة أيضاً، فلا حاجة إلى الإمساك مع ثبوته قطعاً. ففيه أنه لم يثبت الإمساك عن الخطبة أصلاً، فإن ما روي في ذلك مرسل أو معضل، والمرسل ليس بحجة على القول الصحيح. ويرده أيضاً حديث أبي سعيد عند الترمذي بلفظ: فأمره فصلى ركعتين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب. وقد أجاب الحافظ في مقدمة الفتح عن إعلال الدارقطني لهذا الحديث حيث قال: قال الدارقطني وأخرجا جميعاً حديث شعبة عن عمرو عن جابر: إذا جاء أحدكم، والإمام يخطب، فليصل ركعتين، وقد رواه ابن جريج وابن عيينة وحماد بن زيد وأيوب وورقاء وحبيب بن يحيى كلهم عن عمرو: أن رجلاً دخل المسجد، فقال له: صليت؟ قال الحافظ:

<<  <  ج: ص:  >  >>