والضلال، إلا أنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر، وإنما بذلوا وسعهم في إصابة الحق فلم يحصل لهم، لكن لتقصيرهم بتحكيم عقولهم وأهويتهم وإعراضهم عن صريح السنة والآيات من غير تأويل سائغ، وبهذا فارقوا مجتهدي الفروع، فإن خطأهم إنما هو لعذرهم بقيام دليل آخر عندهم مقاوم لدليل غيرهم من جنسه فلم يقصروا، ومن ثم أثيبوا على اجتهادهم- انتهى. قال التوربشتي: وهذا أي عدم تكفيرهم قول المحققين من علماء الأمة احتياطاً فيجري قوله: "ليس لهما في الإسلام نصيب" مجرى الاتساع في بيان سوء حظهم وقلة نصيبهم من الإسلام، نحو قولك: ليس للبخيل من ماله نصيب -انتهى. قال السندهي: في صلاحية هذا الحديث للاستدلال به في الفروع نظر كما ستعرف فضلاً عن الأصول والمطلوب فيها القطع، فكيف يصح التمسك به في التكفير؟ انتهى. قلت: أحاديث الباب من بين الصحاح والحسان والضعاف غير الساقطات تدل بمجموعها على أن الإيمان بالقدر من غير بحث ومنازعة من ضروريات الدين وركن من أركان الإسلام، فالظاهر أن إنكار القدر وتكذيبه من البدع المكفرة، والله أعلم. (رواه الترمذي) من طريقين في أحدهما علي بن نزار وأبوه نزار بن حيان وهما ضعيفان، وفي الثاني سلام بن أبي عمرة وهو أيضاً ضعيف. (وقال: غريب) وفي نسخ الترمذي عندنا "حسن غريب"، وكذا نقله الحافظ عن الترمذي في أجوبته عن أحاديث المصابيح التي رماها الحافظ سراج القزويني بالوضع، وكذا نقله البوصيري في الزوائد. ولعله حسنه لشواهده، وأخرجه أيضاً البخاري في تاريخه وابن ماجه في السنة، وفي سنده أيضاً علي نزار وأبوه نزار، وأخرجه ابن ماجة أيضاً عن جابر، وفيه نزار المذكور، والخطيب عن ابن عمر وقال: هذا حديث منكر من هذا الوجه جداً كالموضوع، وإنما يرويه علي بن نزار، شيخ ضعيف واهي الحديث، والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد. قال السندهي: زعم الحافظ سراج الدين بعده وبين أنه موضوع، ورد عليه الحافظ صلاح الدين ثم الحافظ ابن حجر بما يبعده عن الوضع ويقربه إلى الحسن، ومحل نظرهما هو تعدد الطرق، والحديث جاء عن أبي بكرالصديق ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمر وجابر بطريق معاذ، وكثرة الطرق تفيد بأن له أصلاً، وبالجملة فلا ينفع في الاستدلال بالأصول - انتهى. قلت: قال الحافظ ابن حجر في أجوبته بعد عزوه إلى الترمذي وابن ماجة: ومداره على نزار بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب، ونزار هذا ضعيف عندهم، ورواه عنه ابنه علي بن نزار وهو ضعيف، لكن تابعه القاسم بن حبيب، وإذا جاء الخبر من طريقين كل منهما ضعيف قوي أحد الطريقين بالآخر، ومن ثم حسنه الترمذي، ووجدنا له شاهداً من حديث جابر ومن طريق ابن عمر ومن طريق معاذ وغيرهم، وأسانيدها ضعيفة، ولكن لم يوجد فيه علامة الوضع إذ لا يلزم من نفي الإسلام عن الطائفتين إثبات كفر من قال بهذا الرأي؛ لأنه يحمل على نفي الإيمان الكامل، أو المعنى أنه اعتقد اعتقاد الكافر لإرادة المبالغة في التنفير من ذلك لا حقيقة الكفر، وينصره أنه وصفهم بأنهم من أمته - انتهى. وقال العلائي: والحق أنه ضعيف لا موضوع.