وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمن معه، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاؤا، فركع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقام كل واحد منهم، فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين.
ــ
حيث لا تبلغهم سهام العدو (وركع) وفي رواية فركع (رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمن معه) أي مع الذين قاموا معه (وسجد سجدتين) أي بمن معه ثم ثبت قائماً (ثم انصرفوا) أي الطائفة التي صلت تلك الركعة (مكان الطائفة التي لم تصل) أي فقاموا في مكانهم في وجه العدو (فجاؤا) أي الطائفة الأخرى التي كانت تحرس، وهو – عليه الصلاة والسلام – قائم في الثانية منتظر لها (ثم سلم) أي النبي – صلى الله عليه وسلم – وحده (فقام كل واحد منهم) أي من المأمومين من الطائفتين (فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين) قال الحافظ: ظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب، وهو الراجح من حيث المعنى، وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة، وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبوداود من حديث ابن مسعود، ولفظه:((ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا)) – انتهى. وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها، ووقع في الرافعي تبعاً لغيره من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا ولم نقف على ذلك في شيء من الطرق، وبهذه الكيفية أخذ الحنفية واختار الكيفية التي في حديث ابن مسعود أشهب من المالكية والأوزاعي، ورجح ابن عبد البر الكيفية الواردة في حديث ابن عمر على غيرها لقوة الإسناد ولموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه – انتهى مختصراً. وقال القرطبي في شرح مسلم: والفرق بين حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود أن في حديث ابن عمر كان قضاءهم في حالة واحدة ويبقى الإمام كالحارس وحده، وفي حديث ابن مسعود كان قضاءهم متفرقاً على صفة صلاتهم، وقد تأول بعضهم حديث ابن عمر على ما في حديث ابن مسعود، وبه أخذ أبوحنيفة وأصحابه غير أبي يوسف، وهو نص أشهب من أصحابنا خلاف ما تأوله ابن حبيب، والله أعلم – انتهى. قلت: حديث ابن مسعود ظاهر في أن الطائفة التي صلت مع الإمام آخراً هي بدأت بالقضاء قبل الطائفة الأولى، أي والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها، وليس هذا في قول أبي حنيفة، وقال القارئ في شرح قوله:((فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين)) ، تفصيله أن الطائفة الثانية ذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الأولى إلى مكانهم وأتموا صلاتهم منفردين وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الثانية وأتموا منفردين وسلموا، كما ذكره بعض الشراح من علماءنا، قال ابن الملك: كذا قيل، وبهذا أخذ أبوحنيفة