لا منع ولا كراهة في شهود جنازته، وخص هاتين الخصلتين أي العيادة وشهود الجنازة؛ لأنهما أولى وألزم من سائر الحقوق، فإنهما حالتان مفتقرتان إلى الدعاء بالصحة والمغفرة، فيكون النهي عنهما أبلغ في المقصود. (رواه أحمد) باختلاف في اللفظ من طريقين (ج٢: ص١٢٥، ٨٦) الأولى منقطعة، عمر بن عبد الله مولى غفره لم يسمع من عبد الله ابن عمر، والثانية موصولة لكن فيها رجل ضعيف، وله طريق ثالث عند أبي بكر الآجري في كتاب الشريعة (ص١٩٠) ، وفيه ضعف أيضاً، وله طريق رابع عند أبي داود، فالحديث بهذه الطرق حسن كما قال العلائي والحافظ ابن حجر، (وأبي داود) في السنة من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن ابن عمر، ورجاله ثقات لكنه منقطع كما سيأتي. قال السيوطي في مرقاة الصعود: هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح، وزعم أنه موضوع. قال الحافظ ابن حجر فيما تعقبه عليه: هذا الحديث حسنه الترمذي وصححه الحاكم ورجاله من رجال الصحيح إلا أن له علتين: الأولى الاختلاف في بعض رواته عن عبد العزيز بن أبي حازم، وهو زكريا بن منظور. فرواه عن عبد العزيز بن أبي حازم فقال: عن نافع عن ابن عمر. والأخرى ما ذكره المنذري وغيره من أن سنده منقطع؛ لأن أباحازم لم يسمع من ابن عمر. فالجواب عن الثانية أن أباالحسن بن القطان الفاسي الحافظ صحح سنده، فقال: إن أباحازم عاصر ابن عمر فكان معه بالمدينة، ومسلم يكتفي بالمعاصرة في الاتصال، فهو صحيح على شرطه. وعن الأول بأن زكريا وصف بالوهم، فلعله وهم فأبدل رواياً بآخر، وعلى تقدير أن لا يكون وهم فيكون لعبد العزيز فيه شيخان، وإذا تقرر هذا لا يسوغ الحكم بأنه موضوع، ولعل مستند من أطلق عليه الوضع تسميتهم المجوس وهو مسلمون، وجوابه أن المراد أنهم كالمجوس في إثبات فاعلين لا في جميع معتقد المجوس، ومن ثم ساغت إضافتهم إلى هذه الأمة. قلت: والحديث أخرجه أيضاً الحاكم (٨٥/٧١) والبخاري في تاريخه والطبراني في الأوسط وأخرجه أحمد (ج٢:ص٨٦) من طريق أخرى لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من تلك الطريق بلفظ: ((لكل أمة مجوس ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم)) ، ولأصل الحديث شواهد ذكرها السيوطي في تعقباته (٥) ، واستوفي طرقها وألفاظها في الآلي (ص١٣٣-١٣٥) وحقق نقلاً عن الحافظ صلاح الدين العلائي أن للحديث أصلاً، بل ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به، فلا وجه للحكم بوضعه. هذا، وقد تعقب الشيخ أحمد محمد شاكر في شرح المسند (ج٨: ص٦) على جواب الحافظ فقال: أما إن المعاصرة كافية وتحمل على الاتصال فنعم، ولكن إذا لم يكن هناك ما يدل صراحة على عدم السماع، والدليل النقلي هنا على أن أباحازم لم يسمع من ابن عمرقائم، فقد قال ابنه ليحيى بن صالح: من حدثك أن أبي سمع من أحد من الصحابة غير سهل بن سعد فقد كذب. فهذا ابنه يقرر هذا على سبيل القطع، ومثل هذا لا ينقضه إلا إسناد آخر صحيح صريح في السماع، أما بكلمة "عن" فلا، ولذلك نص في التهذيب على أنه يروي عن ابن عمر وابن عمرو بن العاص ولم يسمع منهما. وترجمه البخاري في الكبير (٢/٢/٧٩) فذكر من سمع منهم، فلم يذكر من الصحابة
١- لم أجد هذا الحديث في جامع الترمذي ولم أعلم في أي كتاب أخرجه وحسنه.