فإذا مروان ينازعني يده، كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا يا أباسعيد! قد ترك ما تعلم، قلت: كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم – ثلاث مرار – ثم انصرف. رواه مسلم.
ــ
الخطبة على الصلاة مرة بعد أخرى (فإذا مروان) هي كالتي قبلها للمفاجأة، أي فاجأنا مكان المنبر زمان الإتيان والمنازعة (ينازعني) أي يجازبني (يده) بالرفع بدل بعض من ضمير الفاعل وينصب على أنه مفعول ثانٍ (فلما رأيت ذلك) أي عزمه المنجر إلى الإصرار وعدم الانقياد بالانجرار (منه) أي من مروان (قلت) له (أين الابتداء بالصلاة) أي تقديم الصلاة على الخطبة (فقال: لا) أي لا يبتدأ بالصلاة أو لا يعتقد أن تقديم الصلاة هو السنة (يا أباسعيد قد ترك ما تعلم) أي من تقديم الصلاة على الخطبة، وقد أتينا بما هو خير من ذلك، ولذلك أجابه بقوله: لا تأتون بخير مما أعلم، لأني أعلم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين بعده (كلا) كلمة ردع (ثلاث مرار) راءين أي قال أبوسعيد ذلك ثلاث مرات، وإنما كرره لينزجر عن إحداثه (ثم انصرف) أي أبوسعيد من جهة المنبر إلى جهة الصلاة؛ لما في رواية البخاري أنه صلى معه وكلمه في ذلك بعد ذلك، ولفظه: فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه، فجبذني فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله، فقال: أباسعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة – انتهى. فيه أن الخطبة على الأرض عن قيام أولى من القيام على المنبر، وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة، وفيه حلف العالم على صدق ما يخبر به والمباحثة في الأحكام وجواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى؛ لأن أباسعيد حضر الخطبة ولم ينصرف، فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها، والله أعلم. (رواه مسلم) أي بهذا السياق، ورواه البخاري بمعناه بزيادة، وأخرجه أيضاً البيهقي (ج٣ ص٢٨٠، ٢٩٧) . هذا وقد بقيت مسائل من باب العيدين لم يذكر المصنف أحاديثها، وهي مما لا غنى عنه للطالب، ولنذكر طائفة من هذه المسائل مع الإشارة إلى أحاديثها وآثارها، ومن أحب البسط والتفصيل رجع إلى مظانها من كتب الفقة الجامع وشروح الحديث كالمغني لابن قدامة والروضة الندية والنيل، فمنها أنه يستحب الاغتسال للعيدين بالإجماع، وقد ورد فيه حديثان ضعيفان، حديث ابن عباس عند ابن ماجه، وحديث الفاكه بن سعد عند البزار والبغوي وابن قانع وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند، ورواه البزار من حديث أبي رافع، وسنده ضعيف أيضاً، وفي الباب من الموقوف عن علي رواه الشافعي، وعن ابن عمر رواه مالك، ووقت الغسل بعد طلوع الفجر، وقيل: قبل