يكذبون القدر. قال المزي في الأطراف: هو في رواية ابن الأعرابي وأبي بكر بن داسة. وأخرجه أيضاً أحمد (ج٢:ص٩٠) والحاكم (ج١:ص٨٤) بهذا اللفظ، ورواه أحمد أيضاً (ج٢:ص١٠٨) بنحو الرواية المتقدمة في الفصل الثاني وفي (ج٢:ص١٣٧، ١٣٦) بنحو الرواية التي نحن في شرحها (وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب) اعلم أن الغرابة لا تنافي الصحة فيجوز اجتماع الغرابة والصحة في حديث واحد من غير إشكال، وكذا لا شبهة في جواز اجتماع الغرابة والحسن كما أسلفنا، أما اجتماع الحسن والصحة فقد استشكلوه بأن الحسن قاصر عن الصحيح كما هو ظاهر من تعريفهما عند الجمهور، ففي الجمع بينهما في حديث واحد نفي ذلك القصور وإثباته. وأجيب عنه بوجوه منها: أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روى الحديث بإسنادين، أحدهما إسناد حسن، والآخر صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح، أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد، صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر، وفيه أنه لا يصح في الآحاديث التي يقول فيها حسن صحيح مع أنه ليس له إلا مخرج واحد، وفي كلام الترمذي في مواضع يقول: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ومنها أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة إلا إذا اقتصر على قوله:"حسن" فالقصور يأتيه بسبب الاقتصار على ذكره لا من حيث حقيقته وذاته، وبيانه وتوضيحه أن ههنا صفات للرواة تقتضي قبول الرواة، ولتلك الصفات درجات بعضها فوق بعض كالتيقظ والحفظ والإتقان، فإذا وجدت الدرجة العليا لم يناف ذلك وجود الدنيا كالحفظ مع الصدق فيصح أن يقال في هذا إنه حسن باعتبار وجود الصفة الدنيا وهي الصدق مثلاً، صحيح باعتبار الصفة العليا وهي الحفظ والإتقان، ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسناً، ويؤيده ورود قولهم هذا حديث حسن في الأحاديث الصحيحة، وهذا موجود في كلام المتقدمين ومنها أن المراد بقول الترمذي "حديث حسن صحيح" ماشابه الصحة والحسن، فهو إذن دون الصحيح، وشرح بيانه أن الجمع بين الحسن والصحة في حديث واحد رتبة متوسطة بين الصحيح والحسن، فالمقبول ثلاث مراتب: الصحيح أعلاها، والحسن أدناها، والثالثة ما يتشرب من كل منهما، فإن كل ما فيه شبه من شيئين ولم يتمحض لأحدهما اختص برتبة مفردة، كقولهم للمز وهو ما فيه حلاوة وحموضة: هذا حلو حامض. أي مز، فعلى هذا يكون ما يقول فيه "حسن صحيح" أعلى رتبة عنده من الحسن، ويكون حكمه بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن، وفيه أنه تحكم لا دليل عليه وهو بعيد من فهمهم معنى كلام الترمذي. وفيه أيضاً أنه يقتضي إثبات قسم ثالث، ولا قائل به فهو خرق لإجماعهم. وفيه أيضاً أنه يلزم عليه أن لا يكون في كلام الترمذي حديث صحيح إلا قليلاً لقلة اقتصاره على قوله:"هذا حديث صحيح"، مع أن الذي يعبر فيه بالصحة والحسن أكثره موجود في الصحيحين. ومنها أنه يريد الترمذي بقوله:"حسن صحيح" في هذه الصورة الخاصة الترادف، فيكون إتيانه باللفظ الثاني بعد الأول للتأكيد له كما يقال: حديث صحيح ثابت أو جيد قوي أو غير ذلك.