للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه أن الحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد؛ لأن الأصل عدم التأكيد، لكن يندفع ذلك عند وجود القرينة الدالة على ذلك، وقد وجد في عبارة غير واحد كالدارقطني "هذا حديث صحيح ثابت"، ومنها أنه يجوز أن يريد الترمذي حقيقتهما الاصطلاحية في إسناد واحد لكن باعتبار حالين وزمانين، فيجوز أن يكون سمع هذا الحديث من رجل مرة في حال كونه مستوراً أو مشهوراً بالصدق والأمانة ثم ارتقى وارتفع حاله إلى درجة العدالة فسمعه منه مرة أخرى فأخبر بالوصفين، وقد روي عن غير واحد أنه سمع الحديث الواحد على شيخ واحد غير مرة. ومنها أنه يحتمل أن يكون الترمذي أدى اجتهاده إلى حسنه وأدى اجتهاد غيره إلى صحته أو بالعكس فهو باعتبار مذهبين. ومنها أن المراد حسن لذاته صحيح لغيره يعني أنه في أعلى درجات الحسن وأدنى درجات الصحة، ومنها أنه باعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة إلى أحوال رواته عند أئمة الحديث فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحاً عند قوم وحسناً عند قوم آخرين يقال فيه ذلك، وفيه أنه لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع فيقول حسن وصحيح. وفيه أيضاً أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غيره. وفيه أيضاً أنه يتوقف على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين، فإن كان في بعضها مالا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته قدح في الجواب. ومنها أن الحديث الذي يقول فيه الترمذي "حسن صحيح" إن وقع التفرد والغرابة في سنده فهو محمول على التردد الحاصل من المجتهد في الرواة هل اجتمعت فيهم صفة الصحة أو الحسن؟ فتردد أئمة الحديث في حال ناقله اقتضى للمجتهد أن يتردد ولا يصفه بأحد الوصفين جزماً، فيقال فيه "حسن" باعتبار وصفه عند قوم "صحيح" باعتبار وصفه عند قوم، غاية ما فيه أنه حذف فيه حرف التردد، وكان حقه أن يقول: "حسن أو صحيح" وهذا كما يحذف حرف العطف من التعداد، وعلى هذا فما قيل فيه حسن صحيح دون ما قيل فيه صحيح؛ لأن الجزم أقوى من التردد. ومنها أنه يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم، فيجوز أن يكون قوله: حسن أي باعتبار إسناده، صحيح أي باعتبار حكمه؛ لأنه من قبيل المقبول، وكل مقبول يجوز أن يطلق عليه اسم الصحة، وهذا يمشي على قول من لا يفرد الحسن من الصحيح، بل يسمي الكل صحيحا، لكن يرد عليه أن الترمذي أكثر من الحكم بذلك على الأحاديث الصحيحة الإسناد. ومنها أنه أراد حسن على طريقة من يفرق بين النوعين لقصور رتبة رواية عن درجة الصحة المصطلحة، صحيح على طريقة من لا يفرق، ويرد عليه ما أوردناه سابقاً. ومنها أنه أراد بالحسن معناه اللغوي، وهو ما تميل إليه النفس وتستحسنه ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده. وفيه أن حمل الألفاظ الاصطلاحية على معانيها المصطلحة واجب، ولا يجوز ترك الاصطلاح من غيرموجب. وفيه أيضاً أنه يلزم أن يطلق لفظ الحسن على الحديث الضعيف، ولم يقل به أحد إلى الآن. ومنها أن المراد حسن باعتبار إسناده، صحيح أي أنه أصح شيء ورد في الباب، فإنه يقال أصح ما ورد كذا، وإن كان حسناً أو ضعيفاً فالمراد أرجحه أو أقله ضعفاً. هذا تلخيص ما في قوت المغتذي حاشية جامع الترمذي في هذا المبحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>