حق)) في حديث عبد الله بن عمرو، أي ليس بباطل، وهو كلام عربي خرج على جواب السائل ولا مخالفة بينه وبين حديث:((لا فرع ولا عتيرة)) ، فإن معناه لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة. وقيل: النهي موجه إلى ما كانوا يذبحونه لأصنامهم، فيكون المنع غير متناول لما ذبح من الفرع والعتيرة لغير ذلك مما فيه وجه قربة. وقيل: المراد بالنفي المذكور أنهما ليسا كالأضحية في تأكد الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم، فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة، والجمع الأول أولى. وقال النووي: نص الشافعي في حرملة على أن الفرع والعتيرة مستحبان، ويؤيده حديث نبيشة قال: نادى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال:((اذبحوا لله في أي شهر كان)) ، قال: إنا نفرع في الجاهلية. قال:((في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه فإن ذلك خير)) ، وفي رواية:((السائمة مائة)) ، ففي هذا الحديث أنه – عليه السلام – لم يبطل الفرع والعتيرة من أصلهما وإنما أبطل صفة من كل منهما، فمن الفرع كونه يذبح أول ما يولد ومن العتيرة خصوص الذبح في شهر رجب. وقال ابن قدامة: المراد بحديث أبي هريرة نفي كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك أو للصدقة به وإطعامه لم يكن ذلك مكروهاً. وذهب جماعة إلى أن أحاديث الجواز منسوخة بأحاديث المنع. قال ابن المنذر: النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل، وما قال أحمد أنه كان ينهى عنهما ثم أذن في فعلهما. وقال ابن قدامة: حديث أبي هريرة في النهي متأخر عن الأمر بها فيكون ناسخاً، ودليل تأخره أمران: أحدهما أن راويه أبوهريرة، وهو متأخر الإسلام فإنه أسلم عند فتح خيبر سنة سبع من الهجرة. والثاني أن فعل الفرع والعتيرة كان أمراً متقدماً على الإسلام، فالظاهر بقاؤهم إلى حين نسخه واستمرار النسخ من غير رفع له، ولو قدرنا تقدم النهي على الأمر بها لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها، وهذا خلاف الظاهر – انتهى. هكذا قرر النسخ ولا يخفى ما فيه، وادعى عياض أن جماهير العلماء على النسخ، وبه جزم الحازمي، وما تقدم نقله عن الشافعي يرد عليهم، وقد كان ابن سيرين يذبح العتيرة في رجب، وقال وكيع بن عدس – راوي حديث أبي رزين -: لا أدعه، وجزم أبوعبيد بأن العتيرة تستحب، ونقل الطحاوي عن ابن عون أنه كان يفعله، وفي هذا تعقب على من قال إن ابن سيرين تفرد بذلك، وقال في شرح السنة: كانوا يذبحون الفرع لآلهتهم في الجاهلية، وقد كان المسلمون يفعلونه في بدء الإسلام، أي لله سبحانه ثم نسخ ونهي عنه أي للتشبه. وقال القاري: الظاهر أن حديث نبيشة كان في صدر الإسلام ثم وقع النهي العام للتشبه بأهل الأصنام – انتهى. قلت: أعدل الأقوال عندي هو الجمع بين الأحاديث بما ذكره الشافعي ومن وافقه،