الصلوات ثم اختلفوا. فقال بعضهم: الأرجح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركع ركوعين في كل ركعة والباقي أوهام وروايات وحدة الركوع محمولة على الاختصار، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن ركع ركوعين لكنه لم يعلمنا إلا أن نأتي بها كأحدث صلاة صلاها وفيها ركوع واحد، فتعدد الركوع مخصوص به - صلى الله عليه وسلم -، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بقوله:((صلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة)) أن لا تصلوا أنتم، كما رأيتم من تعدد الركوع، ولكن صلوا كصلاة الصبح – انتهى مختصراً محصلاً. وأجيب عنه بأن كل ما صح وثبت من فعله - صلى الله عليه وسلم - يكون سنة لنا ما لم يقم دليل على اختصاصه به ولا دليل على كون تعدد الركوع في صلاة الكسوف مختصاً به - صلى الله عليه وسلم -، فدعوى الاختصاص مردودة، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كأحدث صلاة ... )) الخ فليس بصريح ولا بظاهر فيما قالوا به فإنه يحتمل معاني أخرى كما تقدم عن السندي وابن حزم وغيرهما مفصلاً وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال والتشبيه لا يجب أن يكون من جميع الجهات فلا يترك به الأحاديث الصريحة التي هي أصح منه لكونها مروية في الصحيحين وغيرهما. وقال بعضهم أحاديث الفعل متعارضة فيطرح الكل ويؤخذ بالأصل، والأصل في الركوع الاتحاد دون التعدد وقد جاء في بعض الروايات كذلك. وفيه إن من شرط التعارض التساوي في الثبوت والقوة وهو منتفٍ ههنا، فإن أحاديث الفعل ليست بمتساوية بل روايات تثنية الركوع أصح وأرجح وأقوى وأشهر لاتفاق الشيخين على تخريجها، فيجب تقديمها وترجيحها ويتعين الأخذ بها ولا يجوز طرحها. وقال بعضهم: أحاديث وحدة الركوع مرجحة بوجوه: منها أن روايات تعدد الركوع متعارضة، وهي مع ذلك تخالف قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كأحدث صلاة ... )) الخ والعبرة للقول إذا خالف الفعل. وفيه أنه لا تعارض بين روايات التعدد لكون أحاديث تثنية الركوع أصح وأرجح وأقوى فتقدم على غيرها ولا تخالف بينها وبين القول المذكور فإن المقصود منه التشبيه في بعض الصفات وهي عدد الركعات والجهر بالقراءة لا في جميعها وإلا فينبغي للحنفية أن يقولوا باستنان الجهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس وأن لا يقولوا باستحباب تطويل القراءة والركوع والسجود بل يكرهوا الإطالة، لكنهم قد صرحوا بأن صلاة الكسوف مستثناة من كراهة التطويل وقالوا: يطيل فيها الركوع والسجود والقراءة، واستدلوا لذلك بروايات الفعل، ولو فرضنا التعارض بين روايات الفعل والقول فالقول إنما يقدم ويرجح على الفعل إذا لم يمكن الجمع بينهما وكان القول مساوياً للفعل في القوة والثبوت، والأمر ههنا ليس كذلك. ومنها أن روايات وحدة الركوع موافقة للقياس أي موافقة للأصول المعهودة فزيادة ركن في الصلاة لم تعهد. قال الحافظ: أشار الطحاوي إلى أن قول أصحابه أجري على القياس في صلاة النوافل لكن اعترض بأن القياس مع وجود النص يضمحل، وبأن صلاة الكسوف أشبه بصلاة العيد وبنحوها مما يجمع فيه من طلق النوافل، فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود، وصلاة العيدين بزيادة التكبيرات، وصلاة الخوف بزيادة الأفعال