بمثل هذا! قال ابن قدامة: هذا نفي محتمل لأمور كثيرة، فكيف يترك من أجله الحديث الصحيح الصريح! وقياسهم منتقض بالجمعة والعيدين والاستسقاء، وقياس هذه الصلاة على هذه الصلوات أولى من قياسها على الظهر لبعدها منها وشبهها بهذه – انتهى. وقال ابن التركماني في الجوهر النقي: حديث عائشة صحيح صريح في الجهر، وأحاديث هذا الباب – يعني أحاديث عائشة وابن عباس وسمرة – فيها دلالة على الإسرار، فكان المصير إلى ذلك الحديث أولى – انتهى. وقال العيني: روايات الجهر أصح. وقال ابن حزم: ليس لهم فيه – أي في حديث سمرة – حجة؛ لأنه ليس فيه أنه – عليه السلام – لم يجهر، وإنما فيه لا نسمع له صوتاً، وصدق سمرة في أنه لم يسمعه، ولو كان بحيث يسمعه لسمعه كما سمعت عائشة – رضي الله عنها – التي كانت قريباً من القبلة في حجرتها، وكلاهما صادق، ثم لو كان فيه لم يجهر لكان خبر عائشة زائداً على ما في خبر سمرة، والزائد أولى – انتهى. وقال الزيلعي (ج٢ ص٢٣٤) : واعلم أن الحديث يعني حديث ابن عباس بلفظ: نحواً من سورة البقرة، وما في معناه غير صريح في الإخفاء، وإن كان العلماء كلهم يحملوه عليه، ولكن قد ينسى الإنسان الشيء المقروء بعينه، وهو مع ذلك ذاكر لقدره، فيقول: قرأ فلان نحو سورة البقرة وهو قد سمع ما قرأ ثم نسيه، والله أعلم – انتهى. وقال البخاري: حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة – انتهى. وقال الحافظ: حديث عائشة مثبت للجهر ومعه قدر زائد، فالأخذ به أولى، وحديث سمرة إن ثبت لا يدل على نفي الجهر. قال ابن العربي: الجهري عندي أولى؛ لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب ـ فأشبهت العيد والاستسقاء، والله أعلم. وقال الشوكاني في النيل: إن كانت صلاة الكسوف لم يقع منه - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة واحدة، كما نص على ذلك جماعة من الحفاظ، فالمصير إلى الترجيح متعين، وحديث عائشة أرجح لكونه في الصحيحين، ولكونه متضمناً للزيادة، ولكونه مثبتاً، ولكونه معتضداً بما أخرجه ابن خزيمة وغيره عن علي مرفوعاً من إثبات الجهر. وقال في السيل الجرار: رواية الجهر أصح وأكثر، وراوي الجهر مثبت وهو مقدم على النافي – انتهى. وسيأتي شيء من الكلام فيه في شرح حديث سمرة. وتأول بعض الحنفية حديث عائشة بأنه - صلى الله عليه وسلم - جهر بآية أو آيتين. قال في البدائع: نحمل ذلك على أنه جهر ببعضها اتفاقاً، كما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمع الآية والآيتين في صلاة الظهر أحياناً – انتهى. وهذا تأويل باطل؛ لأن عائشة كانت تصلي في حجرتها قريباً من القبلة، وكذا أختها أسماء، ومن كان كذلك لا يخفى عليه قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلو كانت قراءته في صلاة الكسوف سراً وكان يجهر بآية وآيتين أحياناً، كما فعل كذلك في صلاة الظهر، لما عبرت عن ذلك بأنه كان يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، كما لم يقل أحد ممن روى قراءته في صلاة الظهر أنه جهر فيها بالقراءة (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي