فتناولت منها عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار
ــ
الصقيلة؛ لأن ذلك شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر، ولا مانع أن يرى الجنة والنار مرتين بل مراراً على صور مختلفة، وأبعد من قال: إن المراد بالرؤية رؤية العلم، قال القرطبي: لا إحالة في بقاء هذه الأمور على ظواهرها، ولاسيما على مذهب أهل السنة أن الجنة والنار قد خلقتا، وهما موجودتان الآن، فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه إدراكاً خاصاً به أدرك الجنة والنار على حقيقتهما (فتناولت) بين سعيد بن منصور في سننه من وجه آخر أن التناول كان حين قيامه الثاني من الركعة الثانية، ذكره الحافظ. (منها) أي من الجنة (عنقوداً) بضم العين، وهو من العنب ونحوه ما تراكم من حبه، وقيل: المراد قطعة من العنب (ولو أخذته) وفي رواية أخرى للبخاري: ((ولو أصبته)) ، واستشكل هذا مع قوله:((فتناولت)) ، وأجيب بأنه يحمل التناول على تكلف الأخذ لا حقيقة الأخذ. وقيل: المراد تناولت لنفسي، ولو أخذته لكم وأعطيتكم، حكامه الكرماني وليس بجيد. وقيل: المراد بقوله: تناولت، وضعت يدي عليه بحيث كنت قادراً على تحويله، لكن لم يقدر لي قطفه ولو أخذته أي لو تمكنت من قطفه، يدل عليه قوله في حديث عقبة بن عامر عند ابن خزيمة: أهوى بيده ليتناول شيئاً، وفي حديث أسماء المذكور: حتى لو اجترأت عليها، وكأنه لم يؤذن له في ذلك فلم يجترئ عليه. وقيل: الإرادة مقدرة، أي أردت أن أتناول ثم لم أفعل، ويؤيده حديث جابر عند مسلم:((ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل)) ، ومثله للبخاري من حديث عائشة في آخر الصلاة بلفظ:((حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم)) ، ولعبد الرزاق من طريق مرسلة:((أردت أن آخذ منها قطفاً لأريكموه فلم يقدر)) ، ولأحمد من حديث جابر ((فحيل بيني وبينه)) ، كذا في الفتح (لأكلتم منه) أي من العنقود (ما بقيت الدنيا) وجه ذلك أنه يخلق الله تعالى مكان كل حبة تقتطف حبة أخرى كما هو المروي في خواص ثمر الجنة، والخطاب عام في كل جماعة يتأتى منهم السماع والأكل إلى يوم القيامة لقوله ((ما بقيت الدنيا)) ، وسبب تركه - صلى الله عليه وسلم - تناول العنقود، قال ابن بطال: لأنه من طعام الجنة، وهو لا يفني والدنيا فانية لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى. وقيل: لأنه لو تناوله ورآه الناس لكان إيمانهم بالشهادة لا بالغيب فيخشى أن يقع رفع التوبة والتكليف فلا ينفع نفساً إيمانها. وقيل: لأن الجنة جزاء الأعمال والجزاء بها لا يقع إلا في الآخرة. (ورأيت النار) كانت رؤيته - صلى الله عليه وسلم - النار قبل رؤيته للجنة لما وقع في رواية عبد الرزاق المذكورة ((عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - النار فتأخر عن مصلاه حتى أن الناس ليركب بعضهم بعضاً، وإذا رجع عرضت عليه الجنة فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه)) ، ولمسلم من حديث جابر:((لقد جيء بالنار حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها)) ، وفيه: ((ثم جيء بالجنة