للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله، قالوا: يا رسول الله! رأيناك تناولت شيئاً في مقامك هذا، ثم رأيناك تعكعكت، فقال: إني رأيت الجنة،

ــ

قال: إن أهل الجاهلية كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا ينخسفان إلا لموت عظيم ... الخ، وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض، وهو نحو قوله في الحديث المشهور: ((يقولون مطرنا بنوء كذا ... )) ، قال الخطابي: كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما. (ولا لحياته) أي لولادته، وهي تتمة للتقسيم وإلا فلم يدع أحد أن الكسوف لحياة أحد أو ذكر لدفع توهم من يقول: لا يلزم من نفي كونه سبباً للفقدان لا يكون سبباً للإيجاد، فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم. (فإذا رأيتم ذلك) أي الكسوف في أحد منهما لاستحالة كسوفهما معاً في وقت واحد عادة، واستدل به على مشروعية صلاة خسوف القمر (فاذكروا الله) بالصلاة والتسبيح والتكبير والدعاء والتهليل والاستغفار وسائر الأذكار (تناولت شيئاً) أي قصدت تناول شيء وأخذه كذا للأكثر: تناولت، بصيغة الماضي، وفي رواية الكشمهيني: تناول، بحذف إحدى التائين تخفيفاً وضم اللام بالخطاب من المضارع، ويروى تتناول على الأصل بإثباتها (في مقامك هذا) أي في الموضع الذي صليت فيه (تكعكعت) بتاء مثناة فوقية في أوله وكافين مفتوحتين ومهملتين ساكنتين بعد كل منهما، أي تأخرت أو تقهقرت، وفي رواية: كعكعت، بحذف التاء أوله، وهو يقتضي مفعولاً أي رأيناك كعكعت نفسك، قال أبوعبيد: كعكته فتكعكع، وهو يدل على أن كعكع متعدٍ وتكعكع لازم، واختلف في أنه ثلاثي مزيد أو رباعي مجرد، وقول الجوهري وغيره يدل على أنه ثلاثي مزيد فيه؛ لأنه نقل عن يونس كع يكع بالضم. وقال سيبويه: بالكسر أجود كمد وفر إذا نكص على عقيبه، وفي رواية مسلم: رأيناك كففت أي نفسك بفائين خفيفتين من الكف وهو المنع (فقال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (إني رأيت الجنة) أي رؤية عين بأن الحجب كسفت له دونها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها كبيت المقدس حيث وصفه لقريش، وهذا أشبه بظاهر هذا الحديث، ويؤيده ما روى البخاري من حديث أسماء في أوائل صفة الصلاة بلفظ: ((دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها)) . ومنهم من حمله على أنه مثلت له في الحائط كما تنطبع الصورة في المرآة فرأى جميع ما فيها، ويؤيده حديث أنس عند البخاري في كتاب التوحيد: ((لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط وأنا أصلي)) ، وفي رواية: ((لقد مثلت)) ، ولمسلم (لقد صورت)) ، ولا يقال: إن الانطباع إنما هو في الأجسام

<<  <  ج: ص:  >  >>