الاستسقاء بجماعة، قال صاحب البدائع: وأما صلاة الاستسقاء فظاهر الرواية عن أبي حنيفة أنه قال: لا صلاة في الاستسقاء، وإنما هو الدعاء، وأراد بقوله: لا صلاة في الاستسقاء: الصلاة بجماعة، أي لا صلاة فيه بجماعة، بدليل ما روي عن أبي يوسف أنه قال: سألت أباحنيفة عن الاستسقاء هل فيه صلاة أو دعاء مؤقت أو خطبة؟ فقال: أما صلاة بجماعة فلا، ولكن الدعاء والاستغفار، وإن صلوا وحداناً فلا بأس به، والدليل له قوله:{واستغفروا ربكم إنه كان غفاراً}[نوح: ١٠] ، والمراد منه الاستغفار في الاستسقاء، فمن زاد عليه الصلاة فلا بد له من دليل، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الروايات المشهورة أنه صلى في الاستسقاء ... إلى آخر ما قال. وقال بعضهم: لم ينكر أبوحنيفة استنان صلاة الاستسقاء بجماعة واستحبابها، وإنما أنكر كونها سنة مؤكدة، قال بعض من كتب على المشكاة من أهل عصرنا ما لفظه: صلاة الاستسقاء سنة عند أبي حنيفة، لكنها غير مؤكدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها مرة وتركها مرة، واقتصر على الاستغفار فقط، قال: فقد استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الجمعة، كما في حديث أنس في الصحيحين ولم يصل له، وثبت أن عمر بن الخطاب استسقى ولم يصل ولو كانت سنة – أي مؤكدة – لما تركها؛ لأنه كان أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتأويل ما رواه أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله مرة وتركه أخرى، والسنة لا تثبت بمثله بل بالمواظبة، كذا في التبيين – انتهى. وقال صاحب العرف الشذي: قال في الهداية: لأنه – عليه السلام – صلى مرة لا أخرى، فلا تكون سنة ... الخ. أقول: لا تكون سنة مؤكدة، وإلا فمطلق السنة والاستحباب لا يمكن إنكاره لما قال صاحب الهداية أنه – عليه السلام – صلى مرة. وقال المحقق ابن أمير الحاج: نسب البعض إلينا أن الصلاة عندنا منفية، وهذا غلط، والصحيح أن الصلاة عندنا مستحبة ... الخ – انتهى كلام صاحب العرف. ولعلك قد عرفت بما ذكرنا وجه تخبط الحنفية في بيان مذهب إمامهم، وهو أنه قد نفى الصلاة في الاستسقاء مطلقاً كما هو مصرح في كلام أبي يوسف ومحمد في بيان مذهب أبي حنيفة، ولا شك أن قوله هذا مخالف ومنابذ للسنة الصحيحة الثابتة الصريحة، فاضطربت الحنفية لذلك وتخبطوا في تشريح مذهبه وتعليله حتى اضطر بعضهم إلى الاعتراف بأن الصلاة في الاستسقاء بجماعة سنة، وقال: لم ينكر أبوحنيفة سنيتها واستحبابها، وإنما أنكر كونها سنة مؤكدة، وهذا كما ترى من باب توجيه الكلام بما لا يرضى به قائله؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لم يكن بينه وبين صاحبيه خلاف، مع أنه قد صرح جميع الشراح وغيرهم ممن كتب في اختلاف الأئمة بالخلاف بينه وبين الجمهور في هذه المسألة. قال شيخنا في شرح الترمذي: قول الجمهور هو الصواب والحق؛ لأنه قد ثبت صلاته - صلى الله عليه وسلم - ركعتين في الاستسقاء من أحاديث كثيرة صحيحة. منها: حديث عبد الله بن زيد – الذي نحن بصدد شرحه -، وهو حديث متفق عليه. ومنها: حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد وابن ماجه وأبوعوانة والطحاوي والبيهقي في السنن