مقيداً بثلاثة قيود في حديث عائشة الذي يلي حديث أبي هريرة. قال المناوي: ظاهر حديث أنس يشمل الفاسق. وقال الحافظ بعد ذكر أحاديث: تدل على أن سبب الطاعون ظهور الفاحشة وفشوا الزنا ما لفظه: ففي هذه الأحاديث أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية، فكيف يكون شهادة؟ ويحتمل أن يقال بل تحصل له درجة الشهادة لعموم الأخبار الواردة، ولاسيما حديث أنس الطاعون شهادة لكل مسلم، ولا يلزم من حصول درجة الشهادة لمن اجترح السيئات مساواة المؤمن الكامل في المنزلة، لأن درجات الشهداء متفاوتة كنظيره من العصاة إذا قتل مجاهداً في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العلياء مقبلاً غير مدبر- انتهى. والطاعون بوزن فاعول من الطعن، عدلوا به عن أصله ووضعوه دالاً على الموت العام كالوباء. قال النووي في تهذيبه: هو بثر وورم مؤلم جداً يخرج مع لهب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة شديدة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان وقيء، ويخرج غالباً في المراق والآباط، وقد يخرج في الأيدي والأصابع وسائر الجسد. وقال جماعة من الأطباء منهم ابن سينا: الطاعون مادة سمية تحدث ورماً قتالاً يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن، وأغلب ما تكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الأرنبة، قال وسببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد، ويستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فتحدث القيء والغثيان والغشى والخفقان، ولرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع، والطواعين تكثر عند الوباء في البلاد الوبيئة، ومن ثم أطلق على الطاعون وباء وبالعكس، والوباء فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده- انتهى. وحاصل هذا أن حقيقة الطاعون ورم ينشأ عن هيجان الدم أو انصباب الدم إلى عضو فيفسده وأن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء يسمى طاعوناً بطريق المجاز لإشتراكهما في عموم المرض به أو كثرة الموت. وما قال الأطباء: أن الطاعون ينشأ عن هيجان الدم أو انصبابه لا يعارض حديث الطاعون وخز أعداءكم من الجن، أخرجه أحمد وغيره من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعاً، إذ يجوز أن ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فتحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها أو ينصب، وإنما لم يتعرض الأطباء لكونه من طعن الجن، لأنه أمر لا يدرك بالعقل، وإنما يعرف من جهة الشارع، فتكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم، لكن في وقوع الطاعون في أعدل الفصول وأصح البلاد هواء وأطيبها ماء دلالة على أن الطاعون إنما يكون من طعن الجن، ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض، لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى، والطاعون يذهب أحياناً ويجيء أحياناً على غير قياس ولا تجربة، وربما جاء سنة على سنة، وربما أبطأ سنين، وأيضاً لو كان من فساد الهواء لعم الناس والحيوان وربما يصيب الكثير من الناس، ولا يصيب من هو بجانبهم ممن هو في مثل مزاجهم، وربما يصيب بعض أهل البيت الواحد، ويسلم منه الآخرون منهم وقوله: وخز بفتح أوله وسكون المعجمة بعدها زاي، هو الطعن إذا كان غير نافذ، ووصف طعن الجن بأنه وخز، لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر فيؤثر بالباطن أولاً ثم يؤثر في الظاهر وقد لا ينفذ، وهذا بخلاف