وعن قوله:{من يعمل سوء يجز به} فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة، حتى البضاعة يضعها في يد قميصه فيفقدها، فيفزع لها، حتى
ــ
يجازيكم بسركم وعلنكم أو يخبركم بما أسررتم وما أعلنتم (وعن قوله) تعالى {من يعمل} ظاهراً وباطناً {سوء} أي صغيراً أو كبيراً {يجز به} أي في الدنيا والعقبى إلا ما شاء ممن شاء (فقالت) عائشة (ما سألني عنها) أي عن هذه المسألة (منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عنها (فقال هذه) إشارة إلى مفهوم الآيتين المسؤل عنهما أي محاسبة العباد أو مجازاتهم بما يبدون وما يخفون من الأعمال (معاتبة الله العبد) أي مؤاخذة العبد بما اقترف من الذنب (بما يصيبه) أي في الدنيا، وهو صلة معاتبة ويصح كون الباء سببية (من الحمى) وغيرها مؤاخذة المعاتب، وإنما خصت الحمى بالذكر، لأنها من أشد الأمراض وأخطرها. قال في المفاتيح: العتاب أن يظهر أحد الخليلين من نفسه الغضب على خليله لسوء أدب ظهر منه مع أن في قلبه محبته، يعني ليس معنى الآية أن يعذب الله المؤمنين بجميع ذنوبهم يوم القيامة، بل معناها أنه يلحقهم بالجوع والعطش والمرض والحزن وغير ذلك من المكاره حتى إذا خرجوا من الدنيا صاروا مطهرين من الذنوب. قال الطيبي: كأنها فهمت أن هذه مؤاخذة عقاب أخروي فأجابها بأنها مؤاخذة عتاب في الدنيا صادرة عن مبدأ عناية ورحمة على ما هو معهود من ذي عاطفة وإشفاق على معطوف عليه يراقب أوقاته وأخواله وينبهه لطريق السعادة كلما ازورّ عن سواء الطريق يرده إليه لطفا وقهرا، فكأنه عليه الصلاة والسلام يقول لها: لا تظني أن هذه المحاسبة مؤاخذة سخط وغضب وأنها مخصوصة بالآخرة إنما هي مؤاخذة عتاب يجرى بين المتعاتبتين، ولهذا جاء بصلة المعاتبة توضيحاً لها وتحقيقاً لمعناها في قوله: بما يصيبه من الحمى- انتهى. (والنكبة) بفتح النون أي المحنة وما يصيب الإنسان من حوادث الدهر (حتى البضاعة) بالجر عطفاً على ما قبلها وبالرفع على الابتداء، وهي بالكسر قطعة من المال تعين للتجارة والأصل فيها البضع وهو جملة من اللحم تبضع أي تقطع (يضعها في يد قميصه) أي كمه سمى باسم ما يحمل فيه، ووقع في بعض النسخ من الترمذي: في كم قميصه (فيفقدها) أي يتفقدها ويطلبها فلم يجدها لسقوطها أو أخذ سارق لها منه يقال فقدت الشيء أفقده فقداً أي طلبته بعد ما غاب قال الله تعالى: {ماذا تفقدون}[يوسف:٧١](فيفزع لها) أي يحزن لضياع البضاعة، فيكون كفارة، كذا قاله ابن الملك. وقال الطيبي: يعني إذا وضع بضاعة في كمه، ووهم أنها غابت فطلبها وفزع لذلك كفرت عنه ذنوبه، وفيه من المبالغة ما لا يخفى يقال فزع له أي تغير وتحول من حال إلى حال. قال في النهاية: يقال: فزعت لمجئ فلان إذا تأهبت له متحولاً من حال إلى حال (حتى) أي لا يزال يكرر