فيقال له: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين)) . متفق عليه. ولفظه للبخاري.
١٢٧- (٣) وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي،
ــ
أي المسلمون، يجيب بذلك المنافق والكافر كلاهما، أما المنافق فلأنه كان يقول في الدنيا الشهادتين تقيه من غير اعتقاد، وأما الكافر فيقول ذلك في القبر كذباً، ودفعاً لعذاب القبر عن نفسه (لادريت) أي لا علمت ما هو الحق والصواب (ولا تليت) أصله تلوت - بالواو، والمحدثون إنما يروونه بالياء للازدواج، أي لا علمت بالنظر والاستدلال العقلي، ولا قرأت القرآن لتعلمه منه بالدليل النقلي، ويؤيده ما في حديث البراء في الفصل الثاني. وقيل: معناه ولا اتبعت من يدري. (ويضرب بمطارق) من الطرق - وهو الضرب، والمطرقة آلة الضرب (ضربة) أي بين أذنيه، أفرد الضربة مع جمع المطارق للإشارة إلى أنها تجتمع عليه في وقت واحد فصارت كالضربة الواحدة صورة. (يسمعها) أي تلك الصيحة (من يليه) من الدواب والملائكة، وعبر بمن تغليباً للملائكة لشرفهم، ولا يذهب فيه إلى المفهوم من أن من بعد لا يسمع، لما في حديث البراء الآتي في الفصل الثاني من أنه يسمعها ما بين المشرق والمغرب، والمفهوم لا يعارض المنطوق. (غير الثقلين) أي الجن والإنس، ونصب "غير" على الاستثناء، وقيل: بالرفع على البدلية، واستثنيا لأنهما بمعزل عن سماع ذلك لئلا يفوت الإيمان بالغيب، وقيل: لو سمعوه لأعرضوا عن التدابير والصنائع ونحوهما، فينقطع المعاش، ويختل نظام العالم، قال ابن القيم: فإذا شاءالله سبحانه أن يطلع على ذلك بعض عبيده أطلعه، وغيبه عن غيره، إذ لو اطلع العباد كلهم لزالت كلمة التكليف والإيمان بالغيب، ولما تدافن الناس كما في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)) . ولما كانت هذه الحكمة المنتفية في حق البهائم سمعت ذلك وأردكته، كما حادت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلته، وكادت تلقيه لما مر بمن يعذب في قبره. (متفق عليه) أي على أصل الحديث أو أكثر، وإلا فرواية مسلم انتهت إلى قوله: فيراهما جميعاً (ولفظه للبخاري) في باب عذاب القبر من الجنائر، وأخرجه أيضاً أبوداود، والنسائي، وعبد بن حميد.
١٢٧- قوله:(عرض عليه) بأن تعاد الروح إلى بدنه ليدرك ذلك وتصح مخاطبته، وهل العرض مرة واحدة بالغداة ومرة أخرى بالعشي فقط، أوكل غداة وكل عشي؟ والأول موافق لحديث أنس المتقدم، وللأحاديث الواردة في سياق المسألة، والله أعلم. ويكون عرض المقعدين على كل واحد من المؤمن المخلص والكافر والمؤمن المخلط؛ لأنه يدخل الجنة في الجملة، فيرى مقعده في الجنة، فيقال له: هذا مقعدك وستصير إليه بعد مجازاتك بالعقوبة على ما تستحق (مقعده) أي أظهر له مكانه الخاص من الجنة أو النار. (بالغداة والعشي) أي طرفي النهار، أو المراد الدوام، قاله