فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس
ــ
بواو العطف، وهي رواية البخاري في باب عذاب القبر من الجنائز، ووقع عنه في باب خفق النعال في هذا الحديث: وأما الكافر أو المنافق، بالشك، واختلفوا في أن السؤال في القبر هل هو عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار، أو يختص بالمسلم والمنافق؟ فقيل: يختص بمن يدعى الإيمان إن كان محقاً أو مبطلاً، مال إليه ابن عبد البر والسيوطي، ولا دليل لهما على هذا القول، لا من كتاب الله ولا من سنة صحيحة. والحق أن الكافر غير المنافق أيضاً يسئل في القبر، لما ورد في ذلك من الأحاديث المرفوعة الصحيحة الكثيرة الطرق، ذكرها الحافظ في الفتح في باب عذاب القبر، وبه جزم الترمذي الحكيم والقرطبي، ورواية الكتاب صريحة في ذلك حيث جمع بين المنافق والكافر بواو العطف، والأصل في العطف المغايرة، فيدل على أن كلاً من المنافق والكافر الذي لم ينطق بالكلمة وقد بلغته الدعوة يسئل، ويؤيده قوله:{ويضل الله الظالمين} حيث ذكر الظالمين في مقابلة "الذي آمنوا" والظالم يعم الكافر والمنافق، وتخصيص الكافر شامل للمنافق وغيره بأهل الشك من أهل القبلة لا موجب له. وأما الرواية الأخرى أي بلفظ "وأما الكافر أو المنافق" فلا تنافي رواية الواو؛ لأن الترديد إما للشك أو لمنع الخلو، فإن كان الأول فالمحفوظ إما "الكافر" فهو صريح في المقصود، أو "المنافق" فلا دلالة في الحديث على الانحصار فيه، إذ غايته إفراد المنافق بالذكر، وهو لا ينافي أن يسئل غيره من الكفار، وإن كان الثاني جاز الجمع بينهما بالسؤال تحقيقاً لمنع الخلو، وعلى التقديرين لا منافاة بين الروايتين، وأما رواية أسماء بلفظ:"أما المنافق أو المرتاب" فلا دليل فيها على حمل الكافر على المنافق، إذ ليس فيها إلا الترديد بين المنافق والمرتاب، فإن قلنا: إن الترديد للشك، وإن المنافق والمرتاب متساويان لغة، فغايته أن يكون كرواية الترمذي في إفراد المنافق بالذكر، ولا دليل في ذلك على انحصار السؤال فيه لما مر. وإن قلنا بأن المرتاب أعم لجواز أن من بلغته دعوة الإسلام ولم ينطق بالكلمة لا يكون جازماً بالتكذيب. وإن قلنا: إن الترديد لمنع الخلو فالأمر واضح، إذ غاية ما فيه الترديد بين المنافق وبين الكافر المرتاب، وقد تبين أن إفراد المنافق بالذكر لا يدل على انحصار السؤال فيه فكيف إذا ذكر معه بعض الكفار؟ كذا حققه بعض العلماء في شرحه على العقائد، وقال الإمام ابن القيم في كتاب الروح بعد ذكر قول ابن عبد البر ما لفظه: والقرآن والسنة تدل على خلاف هذا القول أن السؤال للكافر والمسلم، قال تعالى:{ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} وقد ثبت في الصحيح أنها نزلت في عذاب القبر، ثم ذكر حديث أنس هذا وغيره من الأحاديث الدالة على عموم السؤال لكل أحد مسلماً كان أو منافقاً أو كافراً خالصاً، وقال الحافظ: الأحاديث الناصة على أن الكافر يسئل مرفوعة، مع كثرة طرقها الصحيحة، فهي أولى بالقبول – انتهى. والحكمة في سؤال الكافر في القبر إظهار شرف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخصوصيته، ومزيته على سائر الأنبياء، فإن سؤال القبر إنما جعل تعظيماً له وخصوصية شرف بأن الميت يسأل عنه في قبره، وارجع للتفصيل إلى كتاب الروح. (لا أدري) أي حقيقة أنه نبي أم لا (كنت أقول) أي في الدنيا (ما يقول الناس)