للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦١٥- (٤) وعن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه،

ــ

١٦١٥- قوله: (من أحب لقاء الله) أي المصير إلى الدار الآخرة بمعنى أن المؤمن عند الغرغرة يبشر برضوان الله فيكون موته أحب إليه من حياته، قيل: الحب هنا هو الذي يقتضيه الإيمان بالله والثقة بوعده دون ما يقتضيه حكم الجبلة. وقال الخطابي: معنى محبة العبد للقاء الله إيثاره الآخرة على الدنيا فلا يجب استمرار الإقامة فيها بل يستعد للارتحال عنها والكراهة بضد ذلك، واللقاء على وجوه منها الرؤية، ومنها البعث كقوله تعالى: {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} [الأنعام: ٣١] أي بالبعث ومنها الموت كقوله: {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت} . وقال الجزري في النهاية: المراد بلقاء الله هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله (وعدم الركون إلى الدنيا والرضا بحياتها والاطمينان بها) وليس الغرض به الموت، لأن كلا يكرهه فمن ترك الدنيا، وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه إنما يصل إليه بالموت، وقوله: والموت دون لقاء الله يبين أن الموت غير اللقاء لكنه معترض دون الغرض المطلوب، فيجب أن يصبر عليه، ويحتمل مشاقه حتى يصل بعده إلى الفوز باللقاء. قال الطيبي: يريد أن قول عائشة "إنا لنكره الموت" يوهم أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت، وليس كذلك، لأن لقاء الله غير الموت. بدليل قوله: في الرواية الأخرى، والموت دون لقاء الله لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبر عنه بلقاء الله. قال الحافظ: وقد سبق ابن الأثير إلى تفسير لقاء الله بغير الموت الإمام أبوعبيد القاسم بن سلام فقال: ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته، لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة قال ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قوماً بحب الحياة فقال: {إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} . قلت: الصواب في معنى الحديث ما فسره به قائله صلى الله عليه وسلم وهو أن هذه المحبة محمولة على حالة النزع والاحتضار والمعاينة. قال النووي: هذا الحديث يفسر آخره أوله وبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة من أحب لقاء الله وكره لقاء الله، ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعد له ويكشف له عن ذلك فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم- انتهى. (أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله) حين يرى ماله من العذاب عند الغرغرة (كره الله لقاءه) أي أبعده عن

<<  <  ج: ص:  >  >>