فبكا سعد بن أبي وقاص، فأكثر البكاء، فقال: يا ليتني مت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((يا سعد! أعندي تتمنى الموت؟! فردد ذلك ثلاث مرات، ثم قال: يا سعد! إن كنت خلقت للجنة فما طال عمرك وحسن من عملك، فهو خير لك)) . رواه أحمد.
١٦٢٩- (١٨) وعن حارثة بم مضرب،
ــ
ورغبنا في الأخرى (يا ليتني مت) بضم الميم وكسرها أي في الصغر أو قبل ذلك مطلقاً حتى استريح مما اقترفت (أعندي) بهمزة الاستفهام للإنكار (تتمنى الموت) يعني لتمنيه بعدي وجه في الجملة، وأما مع وجودي فكيف يطلب العدم، قاله القاري. وقيل تتمنى الموت وقد نهيت عن تمنيه لما فيه من النقص من الأجر والدرجات التي تحصل بسبب كثرة العمل وحسنه في طول العمر. وقيل: المراد بحضرتي وحياتي تتمنى الموت وحضورك عندي ومشاهدتك لجمالي وكمالي خير لك من الموت وإن حصل لك بعد الموت درجات فكل ذلك لا يوازي النظر إلى وجهي (فردد) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي يا سعد إلخ (ثلاث مرات) لتأكيد الإنكار (إن كنت) أي لا وجه لتمني الموت فإنك إن كنت (خلقت للجنة فما طال عمرك) قال الطيبي: ما مصدرية والوقت مقدر، ويجوز أن تكون موصولة والمضاف محذوف أي الزمان الذي طال فيه عمرك (وحسن من عملك) قال الطيبي: "من" زائدة على مذهب الأخفش أو تبعيضية أي حسن بعض عملك (فهو) أي ما ذكر من طول العمر وحسن العمل قال الطيبي: الفاء داخلة على الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط (خير لك) زاد الطبراني فيه، وإن كنت خلقت للنار فبئس الشيء تتعجل إليه. قال الطيبي: فإن قيل هو من العشرة المبشرة فكيف قال إن كنت أجيب بأن المقصود التعليل لا الشك أي كيف تتمنى الموت عندي وأنا بشرتك بالجنة، أي لا تتمن لأنك من أهل الجنة وكلما طال عمرك زادت درجتك. ونظيره في التعليل قوله تعالى:{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}[آل عمران: ١٣٩] فقيل له: الشهادة خير لك مما طلبت، وهي إنما تحصل بالجهاد، ويعضده ما ورد في المتفق عليه عن سعد أنه قال أخلف بعد أصحابي قال صلى الله عليه وسلم إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون- انتهى. وقيل: يحتمل أن هذا الحديث وقع البشارة (رواه أحمد)(ج٥ص٢٦٧) وأخرجه أيضاً الطبراني وابن عساكر، وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف لكن الحديث يؤيده ما جاء من الأحاديث في طول عمر المؤمن والنهي عن تمنيه الموت.
١٦٢٩- قوله:(وعن حارثة) بالحاء المهملة والثاء المثلثة (بن مضرب) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة العبدى الكوفي، ثقة من كبار التابعين غلط من نقل عن ابن المديني أنه تركه