ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} فيقول الله عزوجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ:{ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} ، فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان له:
ــ
لأدعيتهم إذا دعوا، قاله مجاهد، والنخعي. وقيل: لأعمالهم أي لا تقبل بل ترد عليهم فيضرب بها في وجوههم قال العلامة الشوكاني في فتح القدير (ج٢ ص١٩٥) : ولا مانع من حمل الآية على ما يعم الأرواح والدعاء والأعمال ولا ينافيه ورود من أنها لا تفتح أبواب السماء لواحد من هذه، فإن ذلك لا يدل على عدم فتحها لغيره مما يدخل تحت عموم الآية {ولا يدخلون الجنة حتى يلج} أي يدخل من الولوج وهو الدخول بشدة ولذلك يقال هو الدخول في ضيق فهو أخص من مطلق الدخول {الجمل} هو الذكر من الإبل، ولا يقال للبعير جمل إلا إذا بزل أي دخل في السنة التاسعة، وقيل: إنما يسمى جملاً إذا أربع أي بلغ أربع سنين {في سم الخياط} السم مثلث السين لغة لكن السبعة على الفتح، وقرى شاذاً بالكسر والضم وهو الثقب اللطيف الضيق والخياط الآلة التي يخاط بها كالمخيط فعال ومفعل كإزار ومئزر ولحاف وملحف والمراد به الإبرة في هذه الآية، وخص الجمل بالذكر من بين سائر الحيوانات، لأنه أكبر من سائر الحيوانات جسماً عند العرب، ويضرب به المثل عندهم في كبر الذات وعظم الجرم، وخص سم الخياط لكونه غاية الضيق وأضيق المنافذ ودخول الجمل مع عظم جسمه في ثقب الإبرة الضيق غير ممكن فكذا ما توقف عليه (في سجين) قيل هو كتاب جامع الأعمال الشياطين والكفرة، وقيل هو مكان في أسفل الأرض السابعة، وهو محل إبليس وجنوده (في الأرض) حال لازمه أو بدل بإعادة الجار بدل كل من بعض (السفلى) أي السابعة، وفيه إشارة إلى محل جهنم، وهو الأشهر من خلاف فيه (فتطرح روحه طرحاً) أي ترمي رمياً شديداً {ومن يشرك بالله فكأنما خر} أي سقط {من السماء} إلى الأرض {فتخطفه} بفتح الطاء المخففة (الطير) أي تسلب لحمه وتقطعه بمخالبها وتذهب به {أو تهوى به الريح} أي تقذفه وترمى به. قال القاري: أو للتنويع أو للتخيير في التمثيل (في مكان سحيق) أي بعيد لا يصل إليه أحد بحال. قال الزمخشري: يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق فإن كان تشبيهاً مركباً فكأنه قال: من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس بعده هلاك بأن صور حالة من خر من السماء فاختطفته الطير متفرقاً موزعاً في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض الأماكن البعيدة وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء والأهواء المردية بالطير المختطفة والشيطان الموقع في الضلال بالريح التي تهوى بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة- انتهى. قال الطيبي: أو تهوى به الريح أي عصفت