فقالت: يا أباعبد الرحمن! إن لقيت فلانا فأقرأ عليه مني السلام. فقال: غفر الله لك يا أم بشر! نحن أشغل من ذلك، فقالت: يا أباعبد الرحمن! أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أرواح المؤمنين في طير
ــ
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتى قبره في أصحابه فكبر عليه وصلى وقد أمر البراء أهله عند موته أن يوجهوه إلى الكعبة فوجه قبره إليها. ومعرور بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الراء الأولى (يا أباعبد الرحمن) كنيته كعب (إن لقيت) أي بعد موتك (فلاناً) أي روحه قيل: تعني أباها البراء، ففي رواية للطبراني في الكبير: إن لقيت أبي فاقرأ مني السلام، وذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد (ج٢ص٣٢٩) . وقيل: المراد به ولدها مبشر ففي رواية لأحمد (ج٢ص٤٥٥) قالت أم مبشر للكعب بن مالك وهو شاك اقرأ على ابني السلام تعني مبشراً، فقال: يغفر الله لك يا أم مبشر- الحديث. وقيل: المراد ولدها بشر، فقد أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن أبي لبيبة الأشهلى قال: لما مات بشر بن البراء بن معرور وجدت أمه وجداً شديداً فقالت: يا رسول الله! لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة فهل تتعارف الموتى؟ فأرسل إلى بشر بالسلام، قال: نعم والذي نفسي بيده إنهم يتعارفون كما يتعارف الطير في رؤس الأشجار، وكان لا يهلك هالك من بني سلمة إلا جاءته أم بشر. فقالت: يا فلان عليك السلام فيقول وعليك، فتقول: اقرأ على بشر مني السلام (نحن أشغل) أي بأعمالنا وجزاءها (من ذلك) أي مما تقولين من تعارف الموتى وإبلاغ سلام الأحياء إياهم (أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ) أي لست ممن يشغل عن ذلك، بل أنت ممن ورد فيهم هذه الكرامة وقولها فهو ذلك أي الفضل والكرامة التي ترجى لك ذاك، فتكون أنت في غاية السرور والحبور لا مشغولاً ومخذولاً، كذا في اللمعات. وقال الطيبي: هذا جواب عن اعتذاره بقوله: نحن أشغل أي لست ممن يشغل عما كلفتك، بل أنت ممن قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيت وكيت (إن أرواح المؤمنين) ظاهر هذا السوق العموم، فيتناول كل مؤمن شهيداً كان أم غير شهيد، وإليه ذهب ابن القيم وابن كثير، فقالا: أرواح المؤمنين كلهم في الجنة شهداء كانوا أو غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين، وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم، لأن هذا الحديث وكذا الحديث الآتي لم يخص فيهما شهيداً من غير شهيد. وقيل: المراد بالمؤمنين الشهداء خاصة دون غيرهم لما في رواية أحمد (ج٦ص٣٨٦) والترمذي من طريق عمرو بن دينار عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه مرفوعاً أن أرواح الشهداء الخ، وهذا اختاره ابن القرطبي وابن عبد البر، فقالا: الكرامة المذكورة في الحديث خاصة بالشهداء دون غيرهم، لأن القرآن والسنة إنما يدلان على ذلك، فالروايات المطلقة تحمل على المقيدة (في طير) جمع