فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فينادي مناد من السماء أن كذب فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، قال: فيأتيه من حرها وسمومها. قال: ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ثم يقيض له أعمى أصم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار تراباً، فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً ثم يعاد فيه الروح)) . رواه أحمد وأبوداود.
١٣٢- (٨) وعن عثمان أنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي،
ــ
لقوله: هاه هاه، فالمعنى لا أدري شيئاً ما، أولا أدري ما أجيب به (ما هذا الرجل) يعني ما تقول في حقه أنبي أم لا؟ (أن كذب) أي هذا الكافر في قوله: لا أدري؛ لأن دين الله تعالى ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - كان ظاهراً في مشارق الأرض ومغاربها، بل جحد نبوته بالقول أو بالاعتقاد بناءً على أن كفره جهل أو عناد، قاله القاري (من حرها) أي من حر النار وهو تأثيرها (وسمومها) فتح السين، وهي الريح الحارة (ثم يقيض) أي يسلط ويوكل (أعمى) أي زبانية لا عين له كيلا يرحم عليه، وهو يحتمل أن يكون لا عين له لأجله، أو كناية عن عدم نظره إليه (أصم) أي لا يسمع صوت بكائه واستغاثته فيرق له (مرزبة) بكسر الميم، قال القاري: المسموع في الحديث تشديد الباء، وأهل اللغة يخففونها، وهي المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد. وقال في القاموس: الإرزبة والمرزبة مشددتان، أو الأولى فقط، عصية من حديد (فيضربه بها) أي بالمرزبة (يسمعها) أي صوتها وحسها (ثم يعاد فيه الروح) قال ابن حجر: معلوم استمرار العذاب عليه في قبره فيحتمل أنها إذا أعيدت تضرب أخرى فيصير تراباً، ثم يعاد فيه الروح، وهكذا، ويحتمل أن تلك الإعادة لا تتكرر، وأن عذابه يكون بغير ذلك، وهو ظاهر الحديث، وقال ابن الملك: يعني لا ينقطع عنه العذاب بموته، بل تعاد فيه الروح بعد موته ليزداد عذاباً. والحديث نص في أن الكافر غير المنافق أيضاً يسئل في القبر، خلافا لابن عبد البر، والسيوطي، ومن وافقهما. (رواه أحمد وأبوداود) في السنة، وأخرجه أيضاً النسائي، وابن ماجة مختصراً. والبيهقي، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين. قال المنذري في الترغيب بعد ذكر الحديث من رواية الإمام أحمد: هذا حديث حسن، رواته محتج بهم في الصحيح، وهو مشهور بالمنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء، كذا قال أبوموسى الأصبهاني. والمنهال وثقة ابن معين والعجلى، روى له البخاري حديثاً واحداً، ولزاذان في كتاب مسلم حديثان.
١٣٢- قوله:(على قبر) أي على رأس قبر، أو عنده (حتى يبل) بضم الباء الموحدة، أي بكاءه يعني دموعه (لحيته) بالنصب على المفعولية، أي يجعلها مبلولة من الدموع (فلا تبكي) أي من خوف النار، واشتياق الجنة