للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه. قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه)) . رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب.

١٣٣- (٩) وعنه قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: استغفروا لأخيكم ثم سلوا له بالتثبيت،

ــ

(وتبكي من هذا) أي من القبر، أي من أجل خوفه، قيل: إنما كان يبكي عثمان وإن كان من جملة المشهود لهم بالجنة؛ لأنه لا يلزم من التبشير بالجنة عدم عذاب القبر، بل ولا عدم عذاب النار مطلقاً مع احتمال أن يكون التبشير مقيداً بقيد معلوم أو مبهم، ويمكن أن ينسى البشارة حينئذٍ لشدة الفظاعة، ويمكن أن يكون خوفاً من ضغطة القبر كما يدل عليه حديث سعد الدال على أنه لم يخلص منه كل سعيد إلا الأنبياء، ذكره القاري. (إن القبر أول منزل) أي فهو أقرب شيء إلى الإنسان، وأيضاً شدته أمارة للشدائد كلها. (من منازل الآخرة) ومنها عرصة القيامة عند العرض، ومنها الوقوف عند الميزان، ومنها المرور على الصراط، ومنها الجنة أو النار. (فإن نجا منه) أي من عذاب القبر (فما بعده) أي من المنازل (أيسر منه) أي أسهل وأهون؛ لأنه يفسح للناجي من عذاب القبر في قبره مد بصره، وينور له، ويفرش له من بسط الجنة، ويلبس من حللها، ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، وكل هذه الأمور مقدمة لتيسير بقية منازل الآخرة. (وإن لم ينج منه) أي لم يخلص من عذاب القبر، ولم يكفر ذنوبه، وبقي عليه شيء مما يستحق العذاب به (فما بعده أشد منه) ؛ لأن النار أشد العذاب، فما يحصل للميت في القبر عنوان ما سيصير إليه. (قال) أي عثمان (وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما رأيت) أي في الدنيا (منظراً) أي موضعاً ينظر إليه (إلا والقبر أفظع منه) من فظع بالضم ككرم، أي أشد وأشنع وأنكر من ذلك المنظر. قيل: المستثنى جملة حالية من منظر، وهو موصوف حذفت صفته، أي ما رأيت منظراً فظيعاً على حالة من أحوال الفظاعة قط إلا في حالة كون القبر أقبح منه، فالاستثناء مفرغ. قال السندهي: وحيث خص بمنظر الدنيا اندفع ما يتوهم أن هذا ينافي قوله: فما بعده أشد منه. على أنه يمكن الجواب إذا عمم بأنه أفظع من جهة الوحشة والوحدة، وغيره أشد عذاباً منه، فلا إشكال (رواه الترمذي) في أوائل الزهد (وابن ماجه) في الزهد (وقال الترمذي: هذا حديث غريب) وفي نسخ الترمذي الموجودة عندنا "حديث حسن غريب"، قال المنذري في الترغيب: زاد رزين فيه مما لم أره شيء من نسخ الترمذي. قال الهانئي (مولى عثمان راوي الحديث عنه) : وسمعت عثمان ينشد على قبر:

فإن نتج منها نج من ذي عظيمة وإلا فإني لا إخالك ناجياً

والحديث أخرجه الحاكم أيضاً وقال: صحيح الإسناد.

١٣٣- قوله: (وقف عليه) أي وقف هو وأصحابه عند قبره (استغفروا لأخيكم) أي في الإسلام (ثم سلوا له بالتثبيت)

<<  <  ج: ص:  >  >>