دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثاً أو خمساً
ــ
ابني سيرين، وحفظت منها حفصة ما لم يحفظ محمد بن سيرين. قال ابن المنذر: ليس في أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطية وعليه عول الأئمة (دخل علينا) أي معشر النسائي (ونحن نغسل ابنته) لم تقع في شيء من روايات البخاري ابنته هذه مسماه. والمشهور أنها زينب زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة التي تقدم ذكرها في باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه، وزينب أكبر بنات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت وفاتها في أول سنة ثمان، وقد وردت مسماة في هذا عند مسلم من طريق عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اغسلنها إلخ. وقيل: إنها أم كلثوم زوج عثمان، كما في ابن ماجه من رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم. قال الحافظ: هذا الإسناد على شرط الشيخين، وكما وقع في المبهمات لابن بشكوال من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم- الحديث، وكما وقع في الذرية الطاهرة للدولابي من طريق أبي الرجال عن عمرة أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظ: فيمكن ترجيح ذلك لمجيئه من طرق متعددة وفيه أنه وقع في رواية للبخاري قول ابن سيرين: ولا أدري أي بناته، وهذا يدل على أن تسميتها في رواية ابن ماجه وابن بشكوال ممن دون ابن سيرين، وأن أيوب لم يسمع تسميتها من حفصة بنت سيرين ولا ينافي هذا تسمية الآخر لها بزينب، لأنه علم ما لم يعلمه أيوب، وقد صرح عاصم في روايته عن حفصة عند مسلم أنها زينب. وأما رواية الدولابي فلا يلزم منها أن تكون البنت في حديث الباب أم كلثوم، لأن أم عطية كانت غاسلة الميتات، كما جزم به ابن عبد البر، فيمكن أن تكون حضرت لهما جميعاً (اغسلنها) أمر لأم عطية ومن معها من النساء. قال ابن بزيزة: استدل به على وجوب غسل الميت. قال ابن دقيق العيد: لكن قوله ثلاثاً ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد، لأن قوله ثلاثاً غير مستقل بنفسه، فلابد أن يكون داخلاً تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل والندب بالنسبة إلى الايتار- انتهى. فمن جوز ذلك كالشافعية جوز الاستدلال بهذا الأمر على الوجوب، ومن لم يجوزه حمل الأمر على الندب لهذه القرينة. واستدل على الوجوب بدليل آخر كما سبق (ثلاثاً أو خمساً) وفي رواية للنسائي اغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً و"أو" هنا للترتيب لا للتخيير. قال النووي: المراد اغسلنها وتراً وليكن ثلاثاً فإن احتجن إلى زيادة فخمساً. وحاصله أن الايتار مطلوب والثلاث مستحبة، فإن حصل الانقاء بها لم يشرع ما فوقها، والأزيد وتراً حتى يحصل الانقاء، والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن- انتهى. وقال ابن العربي: في قوله: أو خمساً إشارة إلى أن المشروع هو الايتار، لأنه نقلهن