للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

متفق عليه.

ــ

(ومجرد الفعل لا يدل على نسخ القول؛ لاحتمال أن قعوده كان لبيان الجواز) قال: واقتصار جمهور المخرجين لحديث علي وحفاظهم على مجرد القعود بدون ذكر زيادة الأمر بالجلوس مما يوجب عدم الاطمينان إليها، والتمسك بها في النسخ لما هو من الصحة في الغاية. وأجاب عنه ابن حزم (ج٥ ص١٥٤) بأن الأمر فيه للإباحة والتخفيف، قال: كنا نقطع بالنسخ بهذا الخبر، لولا ما روينا من طريق النسائي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا جميعاً: ما رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهد جنازة قط فجلس حتى توضع، قال: فهذا عمله عليه السلام المداوم، وأبوهريرة وأبوسعيد ما فارقاه عليه السلام حتى مات، فصح أن أمره بالجلوس إباحة وتخفيف، وأمره بالقيام وقيامه ندب – انتهى. قلت: والظاهر أن المراد بالقيام المذكور في حديث علي هو القيام للجنازة إذا مرت به، لا قيام التابع والمشيع. وأما رواية الحازمي (ص١٣٠) بلفظ: قال علي: قدمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أول ما قدمنا، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجلس حتى توضع الجنازة، ثم جلسب بعد وجلسنا معه، فكان يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي كونها صالحة للاستدلال نظر، قال الحازمي: هذا الحديث بهذه الألفاظ غريب أيضاً. قلت: وكذا رواية البيهقي (ج٤ ص٢٧) بلفظ: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الجنائز حتى توضع وقام الناس معه، ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود، غريب أيضاً. نعم يشكل رواية الترمذي والنسائي والبيهقي (ج٤ ص٢٧) بلفظ: عن علي بن أبي طالب أنه ذكر القيام على الجنازة حتى توضع، فقال علي بن أبي طالب: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قعد، ورواية البيهقي (ج٤ ص٢٨) بلفظ: رأى علي الناس قياماً ينتظرون الجنازة أن توضع، فأشار إليهم بدرة معه أو سوط أن اجلسوا، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جلس بعد ما كان يقوم؛ لأن هاتين الروايتين تدلان على أن المراد القيام مطلقاً، وأن الذي فهمه عليّ رضي الله عنه هو الترك مطلقاً، ولهذا أمر بالقعود من رأى قائماً ينتظر الجنازة أن توضع. ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن الذي استند إليه عليّ في الأمر بقعود المنتظرين إنما هو فعله - صلى الله عليه وسلم -، ومن المعلوم أن مجرد الفعل لا يدل على النسخ؛ لأنه يحتمل أن قعوده كان لبيان الجواز، وأن النهي في حديث أبي سعيد للتنزيه لا للتحريم، فتأمل. والقول الراجح عندي هو ما ذهب إليه الجمهور من أنه يستحب أن لا يجلس التابع والمشيع للجنازة حتى توضع بالأرض. وأن النهي في قوله: فلا يقعد، محمول على التنزيه. والله تعالى أعلم. ويدل على استحباب القيام إلى أن توضع ما رواه البيهقي (ج٤ ص٢٧) من طريق أبي حازم قال: مشيت مع أبي هريرة وابن عمر وابن الزبير والحسن بن علي أمام الجنازة حتى انتهينا إلى المقبرة، فقاموا حتى وضعت ثم جلسوا، فقلت لبعضهم، فقال: إن القائم مثل الحامل يعني في الأجر. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي والبيهقي (ج٤ص٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>